Erbil 7°C السبت 23 تشرين الثاني 02:28

الـــحلبوســـــــــي مابين زعــــامة السنـــة وقيـــامة المنافسيــــــن

كنـــت أتمنى لو كان لدينا عشرة متحلبسين في المكون الشيعي

" كنـــت أتمنى لو كان لدينا عشرة متحلبسين في المكون الشيعي"

جملة قلتها على احدى شاشات التلفزة حينما سألت عن السيد الحلبوسي

منذ البداية حتى يومنا هذا  سوف نسرد سيرة شخصية سياسية عراقية من المكون السني اثبت نجاحاً بكل الصعوبات والمعوقات والمنافسات وان يتصاعد بريقه باستمرار.
 ان كنت اختلف معه او اتفق ككاتب ومتخصص بالشأن السياسي العراقي يجب ان تكون سطوري اكثر واقعية وصراحه من غيري. اعتدنا في العراق على الانقسام حتى في ثقافتنا وكتابتنا فالشيعي لا يمكن له ان يكتب عن السني والعكس صحيح وكذلك العربي عن الكوردي والكوردي عن العربي ولكني قد قررت ان أكون مقتحماً لهذا التعنصر والتخندق الفكري الغير مقبول والغير لائق بعراقنا الديمقراطي الحديث. فيجب ان يتحرر قلم الكاتب والمثقف عن جميع هذا المسميات ويكتب بكل مصداقية عن العراق كعراق وعن أي قصة نجاح بعيداً عن الاتهامات والخلافات والانقسامات. في مقالتي هذه كان محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي الحالي هو صاحب القصة التي سوف نقلب صفحاتها سوية. وعليك كقارئ ومثقف وواعي ان تميز وتفسر وتكون حيادياً في فهم ما يطرح. في هذه السطور وسوف يكون الجانب العلمي والمجتمعي والسياسي حاضراً لهذه الشخصية وسيرته الذاتية.

قد اختلف الكثير على شخصية الحلبوسي ما بين داعماً وما بين معارضاً ورغم كل ما يشاع ويذاع ويقال ويكتب عنه بجميع القنوات والوكالات والجيوش الالكترونية المعارضة له من الجانب السني وغيرهم الا انه باق ومستمر بإدارة ملف المكون السني وقيادة الزعامة ان صح المصطلح بطرق سياسية وذكاء منقطع النظير. كنا نتحدث عن صقور السنة وعن زعامات وأسماء قادت المرحلة الأولى ما بعد التغيير ودافعوا عن حقوق المكون في ضل فوضى عارمة وصدام ومقاومة وانقسام كبير ما بين الأحزاب سواء كانت إسلامية او غيرها. ولكن وفي السنوات العشرة الأخيرة قد انبثقت شخصية السيد محمد الحلبوسي الشبابية بطاقة اذهلت الساسة في العراق وجعلته يكون محط انظار الجميع رغم كل محاولات المنافسين والمخططين من الداخل والخارج فالحكمة والسياسية التي كان عليها جعلته يجيد إيقاع الوزن والتوازن بين الجميع واستخدامه لعقله أكثر من قوته. وهنا اود ان استذكر حكمة توماس جيفرسون
" أتمنى ان نزداد حكمة كلما عظمت قوتنا وذلك لنعلم اننا كلما استخدمنا القوة بصورة اقل اصبحنا اعظم."

الحلبوسي قد بنى علاقات مع الزعامات الشيعية والكوردية قوية جداً مما جعلته يكون الأقوى فيما بين منافسيه. وعندما نتحدث عن شخصية سياسية علينا سرد السيرة العلمية له ايضاً.  الحلبوسي حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة المستنصرية عام 2002 ثم حصل على الماجستير من الجامعة نفسها عام 2006 ولديه عضوية نقابة المهندسين العراقيين منذ العام 2002 وقد نال شهادة "اوشا" للسلامة المهنية التي تمنح في الولايات المتحدة تحت اشراف وزارة العمل وشهادة التحكيم الهندسي من اتحاد المهندسين العرب واخيراً دبلوم في اللغة الإنكليزية من مركز التطوير في الجامعة المستنصرية. رغم ان شهادات العلمية وتخصصه هندسة مدنية الا انه خط طريقة في هندسة السياسية وعبد الطرق لها وربط الجسور ما بين الخارج والداخل واستطاع ان يمضي قدماً في نجاحاته مرحلة بعد الأخرى.

كانت بداياته كرجل اعمال قد أسس شركته " الحديد المحدود" ونفذ مشاريع عديدة في مدينة الفلوجة مسقط رأسه وقد كسب حينها علاقات كبيرة مع الجانب الأمريكي من خلال تنفيذه مشاريع اخذها من قبلهم في وقت كانت تصعب على اغلب الشركات تنفيذها وقد برز اسمه حينها في مدينته ومحافظته واستطاع ان يحد من البطالة حينها و يشغل الالاف من أبناء الفلوجة والانبار في هذه المشاريع. كان من أولى مشاريعه تصميم وتنفيذ منظومة الصرف الصحي في الفلوجة.
 

الشاب الأصغر عمراً الذي ترأس برلمان العراق وهو تولد 1981 في عمر 34 سنة والذي دار ملف المكون السني وطالب بحقوقهم بكل ما اوتي من قوة وعلاقات وسياسة كادت وان تكون فريدة من نوعها وفي ضل أصعب واحنك الظروف التي مرت على العراق ما بين تظاهرات وخلافات وتغيير عدة حكومات وهو مازال على قمة الهرم التشريعي في العراق.

قد حاول المنافسون السنة وقياداتهم وخلال تدخلات خارجية مع التأثير الداخلي لمنع الحلبوسي من ان يتسنم   للمرة الثانية رئاسة البرلمان العراقي وكان لهم صولات وجولات واجتماعات وخلافات وصمت وصرخات وتخطيط لمشاريع ضده ليلاً تراها تنهار صباحاً بحداقه وذكاء هذا الشخص. لديه القدرة على جعل الأعداء أصدقاء ولن يستطيع أي من الأحزاب السنية تمرير مشروع جديد يطيح به وينهي صعوده الواضح. وهنا رسالة اود توجيهها للطرف الاخر المنافس اجعل من وضوح مشروعك طريق تسير عليه ومن مصداقية كلامك بوابة لدخول قلوب الشعب ومن عراقيتك جسر تعبر عليه للضفة الأخرى بدون ان تحاول اشراك دول وقيادات غير عراقية بالعملية السياسية وان كانت هناك خلافات تحل وان كان هناك صراع من اجل مغانم سياسية فعليك باخذها بطرق مشروعة. علينا الإبقاء على المبادئ والقيم والأخلاق والأعراف حتى وان كنا سياسين. قالها المهاتما غاندي
" يوجد سبعة أشياء تدمر الانسان: السياسة بلا مبادئ المتعة بلا ضمير الثروة بلا عمل المعرفة بلا قيم التجارة بلا اخلاق العلم بلا إنسانية العبادة بلا تصحية."

تصاعد تراتبياً في الجانب السياسي حيث انه بدأ عبر مجالس البلدية والمحلية في الأنبار وقد أنظم الى حزب الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية (الحل) بزعامة السيد جمال الكربولي حينها والذي أصبح من اشد منافسيه ومعارضيه بعد ان حقق نجاحات سياسية كبيرة. وبعد ذلك انتقل الى صفوف ائتلاف " متحدون" للإصلاح ومن ثم خطط لدخول البرلمان وبالفعل كان عضواً في برلمان العراق مميز في اللجنة المالية ولجنة حقوق الانسان ايضاً.

في عام 2011 بعد انسحاب القوات الأمريكية فاز السيد محمد الحلبوسي في مقعد برلماني عام 2014 وهنا كانت الانطلاقة النوعية له وظهور شخصية سياسية شبابية سنية مختلفة عن كل من سبقه بطرق مختلفة وأدوات وثقة بالنفس عالية.


 وفي عام 2017 تم اقالة صهيب الراوي محافظ الانبار ثم انتخاب الحلبوسي خليفة له ليستقيل من البرلمان ويشغل منصبة الجديد محافظاً للأنبار وثبت للشارع الانباري بأنه قادر على تقديم ما يستحقونه وكسب شعبيته من هناك واعد العدة للانتخابات بعد ان قاد قائمة " الأنبار هويتنا" في الانتخابات التشريعية وحصل على مقعده وفي العام 2018 قد وصل الحلبوسي الى اعلى قمة الهرم التشريعي واخذ اعلى منصب سياسي للمكون السني وصار رئيساً لبرلمان العراق. بعيدا عن الكتابة والعواطف حينما انظر الى تدرج هذه الشخصية واصرارها وتميزها ووقوفها مع جمهورها تجبرني ان اكتب عنها بدون رتوش بدون مجاملات بدون انحياز حتى يطلع شبابنا على قصة نجاح عراقية خطت طريقها بمراحل متعددة ومرت بصعوبات كثيرة.

بعدها أسس " حزب تقدم" رسميا كان بقيادته وشخصيتان سياسية سنية هما علي فرحان الدليمي ويحيى المحمدي. كان هذا التشكيل السياسي ليبرالياً مدنيا بعيداً عن الصبغة الإسلامية التي أخفقت بأحزابها في محافظة الأنبار. وقد حقق هذا التحالف انتصاراً كبيراً في انتخابات 2021 حيث حصد على (37) مقعداً بعد الكتلة الصدرية بزعامة السيد مقتدى الصدر. ورغم التخطيط التنافسي المشروع والغير مشروع لأبعاد الحلبوسي من قبة البرلمان والتدخلات الخارجية أيضا الا انه وفي صدمه لمنافسيه قد اعيد انتخابه رئيساً لبرلمان العراق وللمرة الثانية وهذه سابقة لم تحدث لغيره من قبل حيث حصد حينها 200 صوت من أصل 228 وحصل منافسه السيد محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي السابق على 14 صوتاً فقط. قد خاض الحلبوسي هذه المرة صراع الرئاسة مع تحالف " السيادة" الذي كان يضم كتلة " تقدم" التي يتزعمها شخصياً وكتلة " عزم" التي يتزعمها السيد خميس الخنجر وجميعنا يعلم بأنه كان مدعوماً من قبل سماحة السيد مقتدى الصدر وأيضا من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وعلى اثر ذلك تشكل تحالف انقاض وطن الثلاثي. كل جهود ومخططات الغرف المظلمة لأسقاط شخص الحلبوسي وابعاده عن العملية السياسية سقطت وانهارت واغلبها كان بطرق غير لائقة ومحاولات لف ودوران وهذيان سياسي غير مدروس. وأود تذكيرهم بمقولة شارلوت جراي
" يكفي ان تدق الباب او تطل بوجهك من النافذة لا حاجة بك الى اللف والدوران."

قد أصبح له حضوره ما بين المجتمع العربي الإقليمي والدولي وصار البرلمان في عهده وثبات قوة شخصيته ومعلوماته المتكاملة اكثر قوة واكثر سيطرة واستطاع ان يرضي المكون الشيعي والكوردي بدبلوماسية عالية رغم الخلافات لبعض الجهات من هنا وهناك ولكنه رسم صورة مختلفة عن إدارة وقيادة الهرم التشريعي بشهادة القاصي والداني والمرونة التي يمتلكها في قبول الاخر واضحه فهو شخصية جلس مع الأعداء وجعلهم أصدقاء وجعل في وقت اخر من الأصدقاء أعداء وهذا امر في السياسة واقعي وهو من المدرسة الواقعية " البراكماتية" في خطواته  فكما قال ونستون تشرشل
" في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة."

اخيراً ولست اخراً فان ضجيج السياسية الإيجابي الذي فعله الحلبوسي عبر ما اسردته أعلاه أنتج له هذا النجاح ولولا شخصيته المختلفة عن الأخرين في المكون السني لما استطاع ان يكون له هذا السطوع الواضح وكما قال مالكوم اكس

" لــقد تعلمت باكراً أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه وأن على المرء ان يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد."


بـــقلم الكاتب والباحث
الدكتور هيثم المياحي

 

الأخبار

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.