سعد الهموندي
كل من يقرأ تاريخ الشعوب يدرك أن غالبية قصص التاريخ تبين فترات من الانتصار أو الهدوء والسلام وفترات من الحروب والهزائم والانقسام، وتاريخنا الكوردي لا يختلف كثيراً عن تاريخ الشعوب التي تعيش حولنا ومعنا وبيننا، إذ مرت أمة الكورد عبر تاريخها بفترات عرفت فيها فتوحات وانتصارات كبيرة، وفترات أخرى واجهت فيها خلافات داخلية أو حروبا خارجية.
لكن هناك حقيقة مخفية من وجهة نظري الخاصة، والتي شكلت نقصاً واضحاً استمر مع تاريخ الكورد منذ القدم وصولاً إلى أيامنا هذه، وهذا النقص ليس سوى في "الرسالة" إذ إننا إلى اليوم نفتقد صياغة رسالة أمتنا، بل ونفتقد أيضاً إلى طرق طرح وإيصال هذه الرسالة إلى الآخرين، فالناظر العادي سيرى أن الدول والقوميات التي تحيط بقوميتنا نجحت غالبيتها في صناعة وصوغ رسالتهم والدفاع عنها والإبقاء عليها متقدمة في إعلامهم وسياستهم وأهدافهم، أما نحن فللأسف مازلنا نحفر البئر بإبرة، وهنا لا أقصد أننا نعمل بصبر وبحكمة بل إننا فشلنا في تطوير قدراتنا الإعلامية والسياسية في حمل رسالتنا وتوجيهها وتصديرها إلى غيرنا من الشعوب.
إعلامنا أيها السادة اليوم مازال يحفر البئر بإبرة، بسياسة تسويقية ضعيفة للقومية الكوردية، وهو ما ولدّ نظرة سلبية لدى جيراننا جميعاً سواء العرب أم الترك أم الفرس.
والفهم والعداء الذي تواجهه القومية الكوردية اليوم تتحمل سياسة الإعلام الكوردي المسؤولية الكبرى فيه، خاصة وأن مؤسسات الإعلام الكوردي القديمة والحديثة المسموعة والمكتوبة والمرئية كلها لم تستطع حتى الآن مواكبة تطورات نقل الرسالة الصحيحة والحقيقية إلى الشعوب المجاورة، لا بل مازالت تستخدم الطرق البدائية أشبه بحفر البئر بإبرة.
فتاريخنا أيها الأكارم مليء بالشخصيات المناضلة والشخصيات الإنسانية والعلماء وغيرهم الكثير لكنهم اندثروا وماتت ذكراهم لأننا في الأساس لا نعرف كيف نحمل الرسالة ونحافظ عليها أو ننشرها بين شعوب المنطقة والعالم أجمع.
ومن الجليّ الواضح أنّ نهضة الكورد لم تتحقّق، مع أنها شغلت أحلام عدّة أجيال من أبناء أمّتنا، واستنزفت طاقات وجهود معظم قيادات الأمّة، واستهلكت أوقاتًا ودماءً، ويتضح عدم تحقّق النهضة في عدّة مظاهر، أولها أننا فشلنا في تحقيق وحدتنا، وفشلنا في تحقيق اكتفائنا الذاتي، وفشلنا في تحرير أفكارنا من التبعية، وفشلنا في حمل رسالتنا، وفشلنا في الحفاظ على أثر أجدادنا ومناضلينا وعلمائنا، حتى لربما نجح الآخرون في تخليد ذكرى بعض أجدادنا أفضل مما فعلنا نحن مع أجدادنا أنفسهم.
إننا اليوم أمام فقر في الوسائل وفقر في الرسالة وفقر في تسويق الاهداف المعنوية وفقر في طرق الخوار لمخاطبة الآخر، وفقر في المحافظة على تاريخنا ولغتنا وهويتنا، وكل هذا الفقر يدور في فلك واحد ألا وهو الفقر في صوغ كلمتنا الأولى، التي مازالت تشكل الفقر في إعلامنا الواسع الذي حتى اليوم لا يعرف كيف يدير قضيتنا ولا يعرف كيف يخلد ذكرى أبطالنا ويحفظ تاريخنا، فبتنا اليوم أمة تقول الكثير وتفعل القليل القليل.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن