بعدما قدم رئيس مجلس الوزراء السابق الدكتور عادل عبد المهدي الاستقالة من منصبه، عاد السيد محمد علاوي الى الساحة السياسية. وبمجرد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة الجديدة في العراق، أضاف العلاوي عدد لابأس بها من المفارقات الى بيدر المفارقات والتنقاضات المتراكمة في المشهد السياسي.
في كلمته الأولى، بعد التكليف، والتي كانت أقرب الى الخيال، تبني شعارات مستحيلة التحقق، وإدعى إنه مرشح من الشعب، ونادى بحكومة كفاءات مستقلة، وتعهد وتوعد وهدد مختلف الأحزاب والكتل السياسية، وفي المقابل دعاها الى التصويت لصالحه في البرلمان.
الكوردستانيون عموماً، أحزاباً وشخصيات وكتاب ومراقبين (ومنهم كاتب هذه السطور)، أدركوا إنه يريد اتباع سياسة النظام البائد في تهميش الكورد واستبعادهم، وعدم التعامل مع الإقليم ككيان دستوري وقانوني، ويحاول أن ينقلب على الموازين السياسية التي جرت عليها العملية السياسية بعد عام 2005، وكتب (كاتب هذه السطور) مقالا بعنوان (الحكومة الجديدة في العراق، إذا تشكلت !). شكك فيه بقدرة السيد علاوي على تشكيل الحكومة، وأوضح أن العلاوي ومن يساندونه يسعون إلى فرض رؤية وإرادة سياسية معينة تتمثل بالإستحواذ على كل شىء. وقال :
إن السيد علاوي الذي تم إختياره نتيجة لصفقة معروفة، سيواجه الكثير من الاستحقاقات السياسية والدستورية، وسترافق تلك الاستحقاقات مشكلات واختلافات شكلية وجوهرية، وسيجد نفسه في مأزق وفي مهمة صعبة، وربما سيفشل في تشكيل الحكومة ضمن المهلة الدستورية المقررة، خاصة وإن شخصيته خلافية وجدلية وتتحمل تفسيرات قد تبعده عن فرصة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة.
وقال في نهاية المقال: أن الرئيس المكلف برسم خارطة المرحلة القادمة، لو حالفه الحظ واستطاع تشكيل الحكومة، ستلازمه الأزمات التي لازمت غيره، وأن الجهات التي أوصلته الى سدة الحكم قد تسقطه في أول إمتحان، وستفشل حكومته في الرهان.
في زحمة التنديدات الشيعية والسنية وأصوات الحراك الشعبي في مناطق وسط وجنوب العراق التي توالت خلال فترة مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، والتي تجاوزت في أحايين كثيرة، الإنتقادات الكوردستانية، تناولت بعض وسائل الإعلام الكوردية والعربية، شائعات تشير الى أن المشكلة بين الرئيس مسعود بارزاني والسيد محمد علاوي وعملية تشكيل الحكومة الجديدة هي بسبب المشكلات الشخصية وإصرار الرئيس بارزاني على تنصيب بعض المقربين منه في المواقع الوزارية.
مقر البارزاني، اوضح في بيان مقتضب، بأن الموضوع برمته عار عن الصحة، وأن للرئيس بارزاني ملاحظات على منهاج وآلية عمل علاوي، وآلية تعيين المرشحین للوزارات في الحكومة العراقية. ذلك المنهاج وتلك الآلية التي لا تراعي حقوق ومطالب المكونات وخصوصية إقليم كوردستان، والتي بكل تأكيد ستتسبب في تعميق الأزمات السياسية في العراق.
كما أكد البيان: إن أسماء الأشخاص ليست أولوية بالنسبة للرئيس مسعود بارزاني، بل المهم عند سيادته هو إلتزام جميع الأطراف بمبادئ (الشراكة والتوازن والتوافق) في العملية السياسية والحكومة المقبلة ومراعاة تلك المبادئ.
وبعد مداولات ومفاوضات كثيرة، أخفق العلاوي في الخروج من الدائرة الأولى، ولم تنفعه الإجتماعات المغلقة، وتهديدات الذين لايحترمون قواعد العمل بالقانون والدستور. ووعود الذين يتحدثون عن الإستقلالية، وفي أذهانهم كل أنواع التبعية والإنتماء، ويعبؤون المجتمع بالمتفجرات والألغام. كما لم تنفعه طروحات المغرمين بالشعارات كضرورة مراعاة الواقع الحالي للبلاد، وسهولة تحقيق الأغلبية خلال جلسة البرلمان للتصويت على حكومته.
وأخيراً حالف الحظ السيد علاوي في الإخفاق في تشكيل الحكومة، وخرج بخفي حنين من أوحال لعبة تتجاوز احلامه الطوباوية، وعاد العراق الى مربع إختيار الشخص المناسب لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، وستبقى الأوليات ثابتة لدى الرئيس بارزاني .
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن