يبدو أن الجدل والضجيج الذي يثار بإستمرار حول تعيين محافظ جديد ( محظوظ ) لكركوك، من أجل إنهاء أزمات كركوك، التي غدت قضية من أعقد المسائل السياسية، ومن أجل إسترداد حقوق الكورد وكبح جماح الشوفينيين ولجم مطامعهم وإنهاء حالة التعريب وتفعيل الخدمات ونشر الأمان والإستقرار، كالمباراة الأدبية التي يلقي فيها الهواة مجموعة من المفردات والكلمات والجمل البعيدة عن الشعر والقصة، وخارجة عن السياق اللغوي.
بعض الذين يثيرون الجدل، ويصرون ويلحون إلحاحا ( كما قال عادل إمام)، يتجاهلون سبب إبعاد المحافظ السابق غير المحظوظ. ويتجاهلون واقع التحديات الحالية وأبعادها وتداعياتها على المصالح السياسية والإستراتيجية الوطنية والقومية وعلى مستقبل المدينة.
وبعضهم، بغض النظر عن أخلاقية القيم التي ينفخون فيها وزلاتهم المبرمجة، يتقصدون بدهاء كامل، لدرجة الإسفاف والافتعال المعيبين، على قلب الحقائق وتلفيق الوقائع، وزرع بذور الكراهية، وإستفزاز الآخرين وفق خطاب يتجاهل النتيجة والتبعات المتوقعة لكل حل ضمن إطار الخيال والمصالح الحزبية الضيقة والمشاهد الافتراضية المستقبلية، ويساعدهم في ذلك مواقف وتعبيرات بعض المنابر الرائجة هذه الأيام في الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي.
كركوك، التي مازالت تعاني من التدخلات الخارجية، ومن مخلفات البعث والمشكلات المتراكمة والسياسات الخاطئة المكلفة للإدراة الحالية والتي سبقتها، أيضاً، ومن وجود الخلايا النائمة والنشطة لداعش، ومن حواضن تلك الخلايا وغيرها التي تهدد الاستقرار والتعايش فيها، لاتحتاج الى محافظ (مكبل اليدين). بل هي بحاجة الى وثيقة شرف سياسية وطنية بين الأطراف الكوردستانية، ترفض بشكل مطلق، منح الشرعية لكل التجاوزات التي حدثت بعد 16/ إكتوبر/2017، وتهيئ الأجواء لخلق التماسك والتكامل السياسي بينها، وتعيد حسابات الماضي وتفهم الحاضر وتقدر ضرورات المستقبل، وتشخص الأخطاء القابلة للإرتداد، وتقدر المتغيرات التي حدثت والتي يمكن أن تحدث، وتبحث عن المخرجات الآنية الواقعية التي تستند الى توافق سياسي ووئام وطني يرسخان التواصل والتفاهم والتحاور والتنسيق والتعاون بين المكونات، ويكرسان التوازن في الادارة والمشاركة الحقيقية بين مكوناتها، بعقلية جديدة مختلفة عن السابق، ولكن ليس على أساس 32% لكل مكون.
كركوك بحاجة الى أناس يفقهون أن التدخلات الخارجية وتداخل المصالح والمشاريع فيها، تعادل التدخلات الخارجية الاستراتيجية في العراق، وربما أكثر، وتعتبر السبب المباشر لإدامة الازمات فيها وعدم إستقرارها وتفاقم مشكلاتها، وسبباً لكافة الخروقات الأمنية المتكررة فيها.. تدخلات تريد أن تبقى كركوك كبؤرة للتوتر السياسي والقومي وإثارة الحفائظ، ومصدراً للمشكلات، ولتدمير بنيتها التحتية، ولصنع شخصيات سياسية كارتونية منغمسة بشكل تام في أحضان المخابرات الأجنبية، تتشاكس وتتآمر بشتى الأعذار والمبررات من أجل وضع العراقيل والعقبات أمام التعايش، وزعزعة الاوضاع وضرب وحدة المجتمع الكركوكي، وإثارة القلاقل السياسية والمذهبية والقومية ونشر الارهاب، والحيلولة دون الإلتزام بالدستور، والطعن في هيبته، وفقدان الثقة بين المواطنين، وإلحاق الأذى الأمني والإعلامي والسياسي والاقتصادي بسكان المدينة الأصليين من الكورد والتركمان والعرب.
وآخر الكلام للذين يريدون حقاً ترجمة المواقف السياسية الى خطوات عملية، وإطفاء السنة اللهب المتصاعدة: إن حل مشكلات كركوك ليس بالمستحيل، والخطوة الاولى لتطبيع الاوضاع تبدأ بإخلاء مقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني. واخراج المظاهر المسلحة من المدينة وإعادة الأوضاع الى ما قبل 16/10/2017. وبعد ذلك كله، الطلب من المحافظ السابق تقديم إستقالته، وإنتخاب محافظ جديد (عسى أن يكون محظوظاً)، ولكن بتوافق كوردي- عربي- تركماني.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن