Erbil 28°C السبت 13 كانون الأول 18:45

خطاب الكراهية.. العامل الفتاك في المشهد السوري

معظم وسائل الإعلام تملكها أو تمولها جماعات (سلطوية) تُستخدم لترويج خطابات مثيرة للانقسام

أضحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لتطفل خطاب الكراهية والتحريض على العنف والتفرقة، بل من أصخب الأبواق في استفحاله وتداوله، بحيث أصبح مصدرًا لتفاقم الفتنة ونشوب الانتقامات وهو ما يعبر عنه اليوم بـ(الحرائق الرقمية)، لأن الأفعال والأقوال والشائعات المحرضة على التمييز والطائفية والحقد والعنف والقتل تنتشر بسرعة كبيرة لدى مستخدمي هذه الوسائل.

واقترن تزايد المحتوى الإلكتروني الذي يحرض على الكراهية مع ظهور معلومات مضللة يمكن مشاركتها بسهولة بواسطة الأدوات الرقمية، مع الرسائل السياسية البغيضة للبعض لترسيخ سلطتهم عبر إقصاءات على أسس عرقية ودينية، لتبرير العنف ضد الأطراف المنافسة لها، مما عزز دائرة الكراهية والخوف والانتقام.

فبالرغم من حظرالقوانين الدولية كل كيان يتبنى العنصرية أو الإرهاب وتجريم كل من أهان بإحدى طرق العلانية فئة أو إحدى رموزه وشعاراته، إلا أن الفئات السلطوية لا تكف عما أفطمت عليها، ضاربين القوانين الرادعة عرض الحائط، فعندما يقدم جنود أنيط إليهم مهمة الأمن في الانتخابات العراقية بالاعتداء على أحد المنتخبين، لم يقترف أي مخالفة قادماً إلى مركز الاقتراع للإدلاء بصوته وممارسة حقه المشروع في انتخاب من يمثله في البرلمان، مفتخرا بانتمائه الوطي القومي، بيده علم يشير إلى هويته القومية (علماً أن العلم الكوردستاني يقرّ به الدستور العراقي)، فإن هذا التصرف إن دلّ على شئ فهو هيمنة الحقد المزروع فيه عبر عقود تزيد عن عمره من شحذ الكراهية.

لقد تأثر المشهد السياسي في سوريا بشكل كبير حتى بدت سمة بارزة في خطابها السياسي، وكثيرًا ما تتفاقم عبر الخطب وعلى وسائل الإعلام والمنصات السياسية الشبه الرسمية، تثير تحديات غير مسبوقة، وتُعيق المصالحة الوطنية، إذ بدأ السياسيون يلجؤون إلى الولاء الطائفي أكثر من الوحدة الوطنية.

فمعظم وسائل الإعلام تملكها أو تمولها أحزاب سياسية أو جماعات (سلطوية) تُستخدم لترويج خطابات مثيرة للانقسام، وتتيح البيئة الإعلامية لانتشار الرسائل المتخمة بالكراهية، لا سيما في أوقات الاضطرابات السياسية، عن طريق ترويج معلومات مضللة ونظريات المؤامرة لتشويه سمعة المنافسين وحشد الدعم.

في الواقع لا تقتصر هذه الخطابات على استقطاب الجمهور فحسب، بل تُعرّض الأرواح للخطر أيضًا من خلال التحريض على العنف، ما يؤدي إلى إلغاء الخط الفاصل بين النقد السياسي وخطاب الكراهية.

علماً أن القوانين تقر بمعاقبة كل من يجهر بالحقد وإدارة الفتنة ومن يعتدي علانية على معتقد لإحدى الطوائف أو الشعائر الدينية أو إهانة رموز محل تقديس لطائفة دينية معينة، إلا أنه لم يعد خافيا إثارة الفتنة الطائفية والحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، تشحذ علانية من جهات متنفّذة في الحكومة السورية المؤقتة، وذلك عبر منابر إعلامية تملكها وتموّلها فضلاً عن تسليح فئة من المواطنين وتحريضهم ضد أخرى.

فما جرى مؤخّرا في السويداء من جرائم ضد الانسانية يندى لها الجبين، عندما جعلت السلطات المتنفّذة شعارها (المقص) في خرق فاضح لجميع الأعراف الانسانية والدولية، وكذلك في الساحل السوري، وحالياً بمدينة حمص، ويبقى الشد والجذب والتهديد يزحف إلى حيث يصنفونهم في كل وقت وحين وعبر تاريخهم بـ(الأخطر)، وأبيح الغدر بهم عبر الأزمان- ألا وهم (الكورد).

فبدأت أساليب كثيرة بالظهور لتساهم في الترويج للكراهية والعنف، منها استخدام رواد التواصل الاجتماعي واستغلالهم في الترويج للتحريض على العنصرية مثل واقعة مقتل المستوطن الديري في عفرين، بعد انتشار مقطع مصور وهو يتوعد الكورد ويصفهم بأبشع الالفاظ، وعلى مبدأ ليكون الصياد فريسة، جاء خبر مقتله (دون الاستناد لأي أدلة) محتوىً سهلاً روج له عبر التواصل الاجتماعي، بحيث يتم إعطاء هذه الوقائع بعدًا عنصريًا بلغة ازدرائية تهدف إلى تحفيز وشحن المشاعر بشكل سلبي ضد الكورد، لتكريس التعصب القومي فكرًا وواقعًا بين مكونات الوطن الواحد، وتهدد السلم الاجتماعي.

 أما الوسيلة الأبشع فهي نشر شائعة معينة وتضخيم المعلومات المغلوطة عنها للهدف ذاته.حتى باتت من أكثر الجوانب الضارة في المشهد السياسي السوري، عبر جذورها الممتدة على تاريخ حزب البعث المجتث، والذي تجذّرت أفكاره في أديم الكثيرين من ذوي النفوس الضعيفة، والمستفيدة حسب بيئتها الجاهلية، إذ تتربص بالوضع للسطو والسرقة والنهب، في مشهد قبلي فوضوي قد تودي بأمن الوطن ومستقبله، دون أن يرأف لهم جفن، أو أن يخاطب ضميرهم العشرة والعيش المشترك بتة.

إن هذا النوع من الخطاب وبمساندة منابر متمهنة، وتعليماتها (للهمج المتمرسين)على هذا النهج يُؤجج الانقسام وانعدام الثقة، مما يجعل التوصل إلى تسوية أو تعاون أمرًا بالغ الصعوبة، وتلقى الاتهامات صدى لدى مواطنين يعانون من صدمة سنوات من الحرب، مما يجعل المصالحة أكثر صعوبة، فهي تعيق التقدم نحو مجتمع ديمقراطي شامل وسلمي، وإعادة بناء المؤسسات، لذا نرى أن الجماعات المتطرفة تعتمد بشكل كبير على خطاب الكراهية، وتتربص الخلل الأمني، لتظهر ايديولوجيات متطرفة كبدائل جذابة تتوعد بالانتقام.

الخلاصة.. أضحت الكراهية في المشهد السياسي أدوات تشتيت وتفرقة لدى البعض من أجل الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها. ولتفقد هذه الأدوات مصداقيتها، تتطلب أكثر من مجرد إصلاح سياسي، بل تتطلب عدالة في معالجة الأسباب الجذرية، تبدأ من التحكم بوسائل الإعلام وتشجيعها على تقديم تغطية متوازنة وقائمة على الحقائق لتثبط خطاب الكراهية، بتعزيز الثقافة الإعلامية والمعلوماتية بين مستخدمي الإنترنت مع ضمان الحق في حرية التعبير.

إن أهم ما يجب فعله لمواجهة الآثار السلبية لخطاب الكراهية هو التوعية المجتمعية، واليقين بأن التصدي لخطاب الكراهية من قبل مؤسسات الحكومية لا يعني تقييد وحظر حرية التعبير عن الرأي، وكذلك تفعيل القانون من جانب الأجهزة التي تقع على عاتقها مهمة مراقبة المواقع الإلكترونية، وإيجاد مراكز تكنولوجية خاصة تواجه هذه المحتويات الهادمة لبنية المجتمع، على غرار ما تم العمل به من تشكيل لجنة المحتوى الهابط من الجهات ذات العلاقة وتتخذ إجراءاتها لضمان أمن وسلامة المجتمع.

الأخبار

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.