Erbil 28°C السبت 13 كانون الأول 18:46

حين يتحول التغيير إلى أكذوبة

وعود إصلاحية لا تتوقف، لكنها في حقيقتها لا تتعدّى كونها شعارات تُطلق مع كل أزمة أو انتخابات

رغم مرور أكثر من عقدين على سقوط الحقبة المظلمة والدكتاتورية التي حكمت العراق لعقود طويلة، لا يزال التغيير الحقيقي بعيدًا عن طموحات العراقيين وتطلعاتهم المشروعة. فقد انتظر الشعب أن تكون مرحلة ما بعد الدكتاتورية بداية لبناء دولة حديثة تقوم على المواطنة والعدالة والمساواة، إلا أن الواقع السياسي اليوم يعكس صورة مغايرة تمامًا لما كان مأمولًا.

فما نراه هو دورة متكررة من تبادل الأدوار بين نفس الوجوه، تترافق مع وعود إصلاحية لا تتوقف، لكنها في حقيقتها لا تتعدّى كونها شعارات تُطلق مع كل أزمة أو انتخابات، دون نيّة واضحة لتحويلها إلى خطوات ملموسة.

هذه الوعود التي تتكرر منذ سنوات أصبحت لدى العراقيين أشبه بأكاذيب مستمرة، لأنها لا تلامس حياتهم اليومية ولا تغير من واقعهم شيئًا.

إن المواطن العراقي الذي صبر وقاتل ودفع أثمانًا باهظة يطمح اليوم لحياة كريمة، ومطالبه ليست معجزة: أمن، خدمات، فرص عمل، ودخل يحفظ كرامته، ومع ذلك، تتسع الفجوة بين المواطن والدولة يومًا بعد يوم، وكأن الإرادة الشعبية أصبحت خارج حسابات الساسة.

ومن هنا تأتي ضرورة إطلاق حملة إصلاحات حقيقية وشاملة تمسّ حياة الناس مباشرة، وفي مقدمتها زيادة رواتب المتقاعدين والموظفين التي لم تعد تتناسب مع موجات الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار، فالإصلاح الاقتصادي هو الخطوة الأولى لإعادة الثقة وترسيخ العدالة الاجتماعية، لكنه لا يكفي وحده.

فإلى جانب الإصلاح المعيشي، لا بد من إصلاح سياسي عميق يبدأ بإجراء تعديلات جوهرية في الدستور وقانون الانتخابات، عبر استفتاء شعبي مباشر يضمن مشاركة المواطنين في صياغة مستقبلهم، فقد أثبتت التجربة أن القوانين الحالية لم تُسهم في تحقيق الاستقرار السياسي، ولم تمنح المواطن القدرة الحقيقية على اختيار من يمثله.

لأن استمرار اختيار رئيس الحكومة وفق توافقات سياسية ضيقة، وبعيدًا عن الاستحقاق الانتخابي وإرادة الناخبين، يعني أننا نتجه نحو دكتاتورية جديدة… دكتاتورية الأحزاب، فحين يُهمَّش صوت الشعب وتُستبدل إرادته بصفقات تُدار في الغرف المغلقة، تصبح الديمقراطية مجرد عنوان بلا مضمون، ويصبح مستقبل البلاد مُعرّضًا لإعادة إنتاج الاستبداد بثوب مختلف.

إن بناء عراق جديد لا يتحقق بالشعارات، بل بإرادة سياسية صادقة تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، وتعيد السلطة إلى مصدرها الحقيقي: الشعب.

العراقيون يستحقون دولة عادلة، ودستورًا يُحترم، وحكومة تنبثق من أصواتهم لا من تفاهمات فوقية تُدار بعيدًا عنهم.

الأخبار

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.