هاني عاشور
حين يجتمع رأيان مختلفان في منصة حوار رقمية أو بث إعلامي عبر إذاعة أو شاشة فإن ذلك يعني أن منهجا للحوار يقود المجتمع ويمنحه فرصة تبني أحدهما .
لكن حين يتحول الحوار إلى جدل عقيم أو كما يقول الشاعر ( جدالٌ عقيمٌ ينتهي مثلما إبتدا ) فإن أكبر مساوئ مثل هذا الجدل هو زرع الفرقة والتشتت وضياع الحقيقية المطلوبة، ومثل ذلك للأسف أصبح حالة متكررة في كثير من قنوات البث الفضائي العربي أو منصات التواصل الاجتماعي .
حين يبدأ الحوار الذي يتحول إلى جدل دون هدف واضح وينتهي بالعراك فإن قتل المعلومة أول الضحايا، وحين ذاك يكون ضياع الوقت والتأليب وفسح المجال للمناكفة والمفاضحة وعدم احترام المتلقي وهو أقبح ما يصل إليه الكلام الجدلي ومثل ذلك يحدث كثيرا وسط الابتسامات أو ( الصفنات ) المصطنعة لمدير الحوار .
قد لا تكون نقطة الاختلاف في الرأي في أي حوار علامة على فشل أحد الطرفين، فربما يكون نوعا من التنوع الفكري ويغني النقاش بأفكار جديدة تتيح للمتابع أن يتلمس شيئا جديدا، كما أنه ينهي الدكتاتورية الفكرية بقبول وجود رأي مختلف، ويعبر عن احترام الرأي المتبادل، ويرفع مكانة المجتمع ويزيد من عطائه ويؤدي به للعصف الذهني الذي يتيح التفكير بأمور ربما أعمق مما يتداوله المحاوران، أو المجادلان، فكم من متابع يمتلك معلومات ربما تكون أغنى من تفكير الشخصين المتحاورين، وتتيح المجال لذلك المتابع أن يقدم عبر صفحته الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي رأيا مضافا وبشكل أكثر دقة وموضوعية ويسهم في رفد المجتمع أو المؤسسة الحكومية بأفكار جديدة ربما تكون غائبة عنها، ما يعزز نتاج الفكر الأفضل بعيدا عن التعصب ليكون مفتاحا للحرية الفكرية والديمقراطية والتسامح .
الرأي الآخر ليس فعلا طارئا، بل هو نتاج اختلاف التجارب الإنسانية والثقافات والخلفيات التاريخية للمجتمع وللشخص المحاور باختلاف تعليمه وبيئته ودرجات نضجه واستيعابه لما يحيط حوله، وهذا ما يصنع الأفكار المتباينة التي ربما لا تختلف كثيرا في الأصول والنتائج، ولكن تختلف في طريقة تعبير المتحاورين أو تعصب أحدهم لفكرة ما دون سواها .
ربما يعكس تبني الرأي لجهة ما مصلحة معينة، وليس نتاج تفكير أو تجربة أو خوفا من أمر ما قد يحدث، أو مجاملة سرعان ما تتغير في حوار آخر، وبهذا نفقد الضرورة الحيوية للحوار كفرصة انتقالة فكرية متطورة في المجتمع يكون الحوار فيها فرصة لتقبل المجتمعات لبعضها بعيدا عن التعصب والتهديد بما يشكلّ بنية حضارية جديدة فليس شرطا أن يكون الرأي صحيحا بشكل تام، ولكن يجب أن يكون منطقيا ولا يتعدى حدود الأعراف، ولا يتحول إلى جدال عقيم يزيد من فرقة المجتمع وسذاجته أحيانا فيتحول إلى خرق للقانون .
الرأي الآخر مهما اختلف فهو يمثل مهارة ثقافية واجتماعية، في القدرة على طرح المعضلات وفتح مسافة للتفكير في حلِها، كما يمنح الطرفين المتحاورين على تقديم أدلة لصحة ما يعبرون عنه، ما يزيد معرفة المجتمع، فمهما اختلفت الآراء فإنها تبقى فرصة للقاء لا النزاع، حين تتقدم الحقيقة أو بعضها للناس فإن ذلك هو ما يفتح أبواب تطور النقد والمراجعة وتغيير البرامج وتعديل وجهات النظر بما يخصّ المستقبل فيخلق مجتمعا أكثر وعيا .
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن