Erbil 28°C الجمعة 05 كانون الأول 09:22

حديقة البيشمركة… جسر الوفاء بين الكورد وفرنسا

فرنسا لم تختر الكورد صدفة، والكورد لم يجدوا في فرنسا سوى صديق وفيّ. وما هذه الحديقة إلا شاهد حجري وأخضر على أن التضحيات لا تضيع، وأن دماء الشهداء تُثمر حريةً وعدلاً وكرامة
Zagros TV

نجاح هيفو

في لحظة مهيبة تختلط فيها دموع الفرح بدموع الفخر، وتتعانق فيها التضحيات مع الوفاء، أُزيح الستار عن حديقة تحمل اسم البيشمركة بافتتاح رسمي من قبل الرئيس مسعود بارزاني وبمشاركة الحكومة الفرنسية. هذا الحدث لم يكن مجرد تدشين معلم حضاري أو مساحة خضراء للراحة والترفيه، بل كان رمزاً عميق الدلالة يوثق لمسيرة طويلة من النضال والوفاء بين شعبين عرفا معنى الحرية وذاقا مرارة الاستبداد: الكورد والفرنسيين.

لماذا فرنسا؟

قد يتساءل البعض: لماذا فرنسا بالذات؟ والجواب يكمن في أن فرنسا، منذ قرون، شكّلت منارةً للفكر الحر، ومهدًا لحقوق الإنسان والمواطنة، وصوتًا للعدالة في أوقات عصيبة. فرنسا التي حملت مبادئ الثورة إلى العالم، ورفعت شعار "حرية، مساواة، أخوّة"، وجدت في الكورد حليفاً طبيعياً يتقاسم معها ذات القيم.

لقد وقفت فرنسا مراراً مع الشعب الكوردي في محطات مصيرية، بدءاً من اعترافها بمعاناة الكورد وحقهم في تقرير مصيرهم، مروراً بدعمها الكبير لقوات البيشمركة في الحرب ضد داعش. حين اجتاحت قوى الظلام أراضي كوردستان والعراق، لم تتردد باريس في مدّ يد العون، بالسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي، مؤمنة أن معركة البيشمركة ليست فقط معركة كوردستان، بل معركة العالم كله ضد الإرهاب والوحشية.

إن افتتاح هذه الحديقة على الأراضي الفرنسية أو بدعم مباشر من حكومتها هو بمثابة شهادة تاريخية على العلاقة المتينة بين الشعبين، وإعلان صريح بأن دماء البيشمركة لم تُهدر، بل أثمرت شجرة حرية وارفة تظلّل الإنسانية كلها.

ولماذا الكورد؟

أما السؤال الثاني: لماذا الكورد؟ فلأن الكورد جسّدوا في التاريخ الحديث أعظم صور المقاومة من أجل الحرية والكرامة. ولأن البيشمركة، رجالاً ونساءً، لم يحملوا السلاح بحثاً عن نفوذ أو ثروة، بل دفاعاً عن حق الشعوب في الحياة بسلام.

البيشمركة هم أبطال الجبال الذين وقفوا وقفة أسطورية حين تخلّى الكثيرون، وهم الذين قدّموا آلاف الشهداء من أجل أن تبقى قيم الحرية والإنسانية صامدة. لقد تحولت قصص بطولاتهم إلى أساطير تُروى، ليس في كوردستان وحدها، بل في أصقاع العالم.

إن تكريم البيشمركة بحديقة تحمل اسمهم في بلد مثل فرنسا، هو تكريم لروح الإنسانية جمعاء، ولشعلة الحرية التي لم تنطفئ رغم العواصف. إنه اعتراف عالمي بأن الكورد لم يكونوا يوماً على هامش التاريخ، بل كانوا قلبه النابض حين استدعت الحاجة رجالاً ونساءً يذودون عن قيم العدل.

بارزاني والوفاء للتاريخ

لم يكن غريباً أن يكون الرئيس مسعود بارزاني حاضراً في هذا المشهد المهيب. فهو الابن الشرعي لتاريخ حافل من التضحيات والوفاء، وسليل مدرسة بارزانية حملت هموم الكورد جيلاً بعد جيل. إن وجوده إلى جانب الفرنسيين في افتتاح الحديقة لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي، بل كان رسالة مفادها:

"إن نضال البيشمركة ليس ماضياً يُروى، بل هو حاضرٌ حي ومستقبل يُبنى."

بارزاني بهذا الفعل رسّخ معاني الشراكة بين الكورد وأصدقائهم في العالم، ووجّه رسالة إلى الأجيال القادمة بأن ذكريات البطولة لا تُمحى، بل تُخلّد في معالم ومؤسسات وحكايات خالدة.

الحديقة… رمز يتجاوز الجغرافيا

حديقة البيشمركة ليست مجرد مساحة خضراء، بل هي معلم ذاكرة، يروي للأجيال الفرنسية والكوردية قصة كفاح مشترك ضد قوى الشر. إنها مساحة يلتقي فيها المواطن الفرنسي مع الكوردي المهاجر أو الزائر، ليجد كلاهما نفسه في قصة واحدة: قصة الحرية.

في هذه الحديقة سيقف الأطفال يوماً أمام نصبٍ صغير يقرأون عليه كلمة "البيشمركة"، وسيسأل أحدهم: من هم البيشمركة؟ وسيأتي الجواب: إنهم الرجال والنساء الذين واجهوا الموت ليحيا الآخرون بسلام. وهنا تتحقق أعظم غاية: أن تتحول التضحيات إلى دروس للأجيال.

إن افتتاح حديقة باسم البيشمركة بفضل مبادرة الرئيس مسعود بارزاني ودعم الحكومة الفرنسية، هو أكثر من حدث رسمي؛ إنه تجسيد حيّ للتحالف بين قيم الحرية، وبين الشعوب التي آمنت بها ودافعت عنها بالدم والفكر والسلاح.

فرنسا لم تختر الكورد صدفة، والكورد لم يجدوا في فرنسا سوى صديق وفيّ. وما هذه الحديقة إلا شاهد حجري وأخضر على أن التضحيات لا تضيع، وأن دماء الشهداء تُثمر حريةً وعدلاً وكرامة.

إنها حديقة صغيرة بحجمها، لكنها عظيمة بمعناها، وستظل خالدة في ذاكرة الكورد والفرنسيين وكل من يؤمن بأن للحرية ثمناً، وأن ذلك الثمن دفعه البيشمركة بكرامة وعزّة.

الأخبار كوردستان

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.