أعقب مسار الأحداث الدراماتيكية الذي تطوّر خلال حرب الـ12 يوماً، صمتاً مطبقاً داخل أوساط الفصائل المسلحة الموالية لإيران والمنضوية ضمن ما يُعرف بـمحور المقاومة، وكأنها قد اختفت عن المشهد تماماً، خلافاً لصوتها الهادر عقب حرب (إسرائيل وحماس) وما تلاها من مساندة حزب الله اللبناني، المتمثل بشعار (وحدة الساحات) الذي كانت ترفعه (جماعات المحور)، وشنّت مئات الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل.
أما في الساحة السورية فالتهافت على السلطة بعد هزيمة النظام، دفع الفصائل إلى الانكفاء، سواء على مستوى العملياتية أو على مستوى التصريحات السياسية، حيث تلوح الحرب الأهلية في سوريا إلى لحظة حاسمة، دون أن تتمكن الائتلافات تغيير مسار الصراع بشكل جذري.
تشير المعطيات أن حكم دمشق عبارة عن خليط متشرذم من مجموعات ذات أيديولوجيات متضاربة، وطموحات متباينة على المدى الطويل، تعتمد كل مجموعة على توجهات (داعميها) من قوات أجنبية متنافسة.
ففي الهجوم الخاطف الأخير الذي أدى إلى سقوط دمشق ارتقت بجماعة متشدّدة، لسدة الحكم، حيث اشتهرت بأيديولوجيتها الجهادية واصطدمت كثيرًا مع مجموعات معارضة أخرى، إلا أن تركيزها تحول نحو إقامة حكم إسلامي متشدد داخل سوريا، رسخت قاعدتها الشعبية تعمل كإدارة بحكم الأمر الواقع، متّخذة محافظة إدلب (قرداحة) جديدة، إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان قوضت جهودها في اكتساب شرعية أوسع.
بعد الأحداث التي وقعت في الساحل السوري وبعدها مقاومة الدروز في السويداء، برزت أسماء فصائل خلال الاشتباكات في المنطقة، بدلًا من أن تكون الأرتال التي توجّهت إلى المنطقة تحت مسمى الجيش السوري، رغم تعهُّد الفصائل السورية المسلحة التي كانت تقاتل النظام السوري السابق بحل نفسها، واندماجها تحت مظلة وزارة الدفاع، إثر اجتماعها مع الشرع، ثم أعلنت وزارة الدفاع السورية في 19 من كانون الثاني الماضي، عن مخرجات سلسلة الاجتماعات مع أكثر من 60 تشكيلًا عسكريًا، وأنه جرى التوافق على ضرورة انخراط جميع التشكيلات في هيكلية الوزارة الجديدة.
إلا أن عملية دمج الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع السورية لم تتعدَّ التّصريحات، ولم تتحقق فعالية التعاون العسكري، حيث لا تزال هناك انقسامات بين الفصائل من حيث الولاءات، فحتى الآن يتحدث الجميع بلغة فصائلية، وما زالت تحمل راياتها، وتتوزع في مناطق مختلفة، منها قوات ردع العدوان التي كانت في منطقة إدلب، وأبرزها «هيئة تحرير الشام»، بالإضافة إلى «حركة أحرار الشام» و«أنصار التوحيد» و«جيش العزة» التي كانت في إدلب، فيما يضم الجيش الوطني عدة فصائل، أبرزها «جيش الإسلام»، وفرق «الحمزات» و«العمشات» و«السلطان مراد» في ريف حلب، فيما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على مناطق شمال شرق سوريا.
لذا فعملية الصمت الراهنة، تُثير مجموعة تكهنات بشأن المصير الذي يمكن أن ينتهي إليه وجود الفصائل من المشهد، إذ تفسّر صمتها الراهن على أنه (نوع من الصمت الحذر المرتبط بالخشية من التّصدُّع)، فيما تشير الدلائل إلى أن الفصائل تدرك جيداً التصدُّع الخطير الذي أصاب (محور الممانعة) عند الجارة إيران، والتحدّي الذي تسعى لتجاوزه في هذه المرحلة لتجنب تدمير قدراتها العسكرية مثلما حدث مع (حزب الله) ومنظمة (حماس)، لتبدأ في رحلة البحث عن دور لاحق في المنحى السياسي.
يعزو المتابع هذا الموقف إلى تأثرها بما حصلت عليها من نفوذ، كما أنها أصبحت تجني أموالاً طائلة من خزائن الدولة، وتدير شبكات أعمال واسعة النطاق، وتملك سلطة أكبر من أي وقت مضى، يعكس عدم رغبتهم في الانجرار إلى نوع الصراع الذي سلب حزب الله في لبنان قوته، ولهذا فهي لا تريد أن تواجه المصير نفسه.
فقد تغلغلت هذه الجماعات في مؤسسات الدولة، وأصبحت اليوم قوة اقتصادية وسياسية نافذة للنظام السياسي الحاكم في سوريا، لتتحكم في الرئة الاقتصادية في ظل العقوبات المفروضة عليها.
تمرُّ الفصائلُ بأيامٍ صعبةٍ فرضتها التحوُّلات الكبيرة في الحرب الإسرائيلية، إلا أنها بدت أكثر حذراً من التورُّط في صراع خارجي وأكثر استقلالية عن داعميها الخارجيين، فرغم الانقسامات الداخلية، مثالاً فإن العديد من فصائل الجيش الوطني السوري تحتفظ بعلاقات قوية مع أنقرة، وفي تحرك يتماشى مع أحد الأهداف الرئيسية لتركيا في سوريا التي مارست نفوذها في سوريا من خلال دعم مجموعات مسلحة متباينة في تحالف متشرذم منذ بداية الحرب الأهلية، لبقاء التوتر قائماً في مناطق قسد، والتي تلقت دعمًا كبيرًا من الولايات المتحدة، خصوصًا في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن