Erbil 28°C الجمعة 05 كانون الأول 09:23

حين تُسرق أصوات الناخبين تُدفن حياة النساء

نجاح هيفو

تتعالى التحذيرات اليوم من أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق قد تتحول إلى نسخة جديدة من التلاعب بإرادة الشعب، لا عبر صناديق الاقتراع وحدها، بل من خلال استخدام موارد الدولة في صفقات استثنائية، وتوزيع الأموال الطائلة، وإغراق الناخبين بوعود وهمية. هذه الممارسات، التي تتعارض مع كل القوانين والتعليمات، لا تعني مجرد خرقٍ للإجراءات الديمقراطية، بل تعكس نهجًا يهدف إلى إنهاك اقتصاد البلد وشراء الشرعية عبر المال السياسي.

إن أخطر ما في الأمر ليس فقط فقدان الثقة بالانتخابات، بل النتائج الاجتماعية المدمرة التي تترتب على ذلك. حين تُدار العملية السياسية بهذا القدر من الفساد، تُداس مصالح الناس الأساسية. الفقراء الذين تُشترى أصواتهم اليوم بقوائم الرعاية الاجتماعية سيُتركون غدًا يواجهون العوز والبطالة وحدهم. والعقود التي تُمنح لمتنفذين ورجال أعمال لن تعني شيئًا للفئات المهمّشة التي تبحث عن خدمات حقيقية: تعليم، صحة، حماية اجتماعية، وأمن اقتصادي.

في قلب هذه الدائرة المظلمة تقف النساء. فحين ينهار الاقتصاد ويُنهك المجتمع، تكون المرأة أول الضحايا. الأرقام القادمة من مدن العراق تكشف عن تصاعد جرائم قتل النساء، وعن موجات من الانتحار بين الشابات والفتيات، في مؤشر خطير على حجم العجز واليأس الذي يسكن البيوت. هذه المآسي ليست معزولة عن المناخ السياسي؛ إنها الوجه الآخر للفساد الذي يسرق المال العام ويهدر طاقات الدولة في شراء الأصوات بدل إنقاذ الأرواح.

إن دولة تُدار بصفقات انتخابية وشراء ولاءات، عاجزة بطبيعتها عن حماية النساء. أي قانون يمكن أن يكون منصفًا إذا كانت الإرادة الشعبية نفسها تُباع وتُشترى؟ وأي عدالة يمكن أن تتحقق في قاعات المحاكم إذا كان الفساد قد أصبح هو القاعدة، لا الاستثناء؟

الانتخابات ليست حدثًا شكليًا؛ إنها لحظة حاسمة تحدد إن كان البلد يسير نحو الإصلاح أم نحو المزيد من الانهيار. فإذا ما تُركت هذه الممارسات بلا محاسبة، فإن النتائج لن تقتصر على برلمان ضعيف أو حكومة هشة، بل ستعني استمرار نزيف الدم في البيوت، واستمرار معاناة النساء بين جدران لا يحمين، بل يسحقن.

إن صون نزاهة الانتخابات ليس مطلبًا سياسيًا فحسب، بل هو مطلب اجتماعي وإنساني وأخلاقي. لأن نزاهة الانتخابات تعني نزاهة القرار، ونزاهة القرار تعني قوانين عادلة، وحماية حقيقية، ومؤسسات قادرة على مواجهة موجات العنف التي تحصد أرواح النساء كل يوم. أما إذا استمرت لعبة المال السياسي وشراء الذمم، فسنكون أمام مأساة أوسع: وطن يبيع صوته مقابل المال، ثم يشيّع بناته إلى المقابر بصمت.

من هنا تأتي الحاجة إلى موقف صارم من القضاء والمفوضية العليا للانتخابات وبعثة الأمم المتحدة، ليس فقط بإجراءات إدارية، بل بقرارات علنية تكشف الفاسدين وتوقف النزيف قبل أن يتحول إلى قدر محتوم. فالسكوت يعني التواطؤ، والتساهل يعني إعطاء الضوء الأخضر لمزيد من الجرائم، ومزيد من الانتحارات، ومزيد من الأمهات الثكالى.

لقد حان الوقت لفهم المعادلة كما هي: تزوير الانتخابات ليس شأنًا سياسيًا معزولًا، بل جريمة ضد المجتمع بأسره، وضد النساء بشكل خاص. وإذا لم يُكسر هذا المسار الآن، فإن الثمن سيدفعه الأبرياء في صمتٍ ثقيل، يختصره شاهد قبر يقول: "رحلت قبل أن تعيش".

 

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.