سارا زيد محمود
في 16 آب 1946، شهدت مدينة مهاباد في كوردستان الشرقية حدثاً تاريخياً مفصلياً تمثل في إعلان تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وُلِدَ الحزب من رحم معاناة الكورد الممتدة عبر قرون من الإنكار والقمع، ليشكل مظلة سياسية وطنية جامعة تعبّر عن تطلعات شعب كوردستان في نيل حقوقه المشروعة ضمن إطار الديمقراطية والتعددية.
في العام نفسه وُلِدَ الرئيس مسعود بارزاني، القائد الذي ارتبط اسمه بتاريخ الكورد السياسي الحديث. وُلِدَ في خضم الثورة، وتربى في بيئة المقاومة والنضال، وترعرع في محافل الحروب، فكان استمراراً حياً لإرث البارزاني الخالد، ومعبّراً عن تطور الحركة الكوردية من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي والدبلوماسي والدستوري.
يُعد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، من الركائز الأساسية في المشهد السياسي الكوردي والعراقي. ومنذ تأسيسه عام 1946، أخذ الحزب على عاتقه الدفاع عن حقوق الشعب الكوردي، والعمل على بناء مستقبل مزدهر لإقليم كوردستان. وبعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، برز الحزب كقوة سياسية رائدة، قادت عملية بناء الإقليم وتطويره في مختلف المجالات.
نجح الحزب في بناء علاقات متوازنة مع الدول الإقليمية والدولية، مما أسهم في تعزيز مكانة الإقليم على الساحة العالمية، كما أثبتت قوات البيشمركة كفاءتها العالية في مواجهة الإرهاب، خاصة في الحرب ضد تنظيم داعش بين عامي 2014-2017، حيث حظيت بتقدير المجتمع الدولي لدورها في حماية الأمن الإقليمي والدولي. وقد أصبح إقليم كوردستان نموذجاً للاستقرار السياسي والأمني مقارنة ببقية مناطق العراق، مع تحسن ملحوظ في مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة، سواء في البرلمان أم في المؤسسات الحكومية.
شهد إقليم كوردستان تطوراً اقتصادياً ملحوظاً في ظل قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني على الرغم من التحديات التي واجهته، فقد أسس الحزب سياسات اقتصادية شجعت على السوق الحرة، وجذبت استثمارات محلية وأجنبية، خاصة في مجالات الطاقة، والعقارات، والتجارة. كما أسس وزارة الثروات الطبيعية، التي أشرفت على توقيع عقود نفطية مع شركات عالمية، مما مكن الإقليم من تصدير النفط بشكل مباشر وتوفير إيرادات لدعم التنمية. وقد شجع الحزب على تنمية المناطق الصناعية والتجارية، وساهم في تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد الكامل على النفط، عبر دعم قطاعات الزراعة والسياحة والخدمات.
شهدت مدن الإقليم، وعلى رأسها أربيل ودهوك، طفرة عمرانية واسعة، فقد تم تنفيذ مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية، شملت بناء مطارات حديثة مثل مطار أربيل الدولي ومطار دهوك، وإنشاء شبكة طرق سريعة، وبناء أنفاق وجسور استراتيجية، ومجمعات سكنية حديثة بمعايير عالمية. كما تم بناء عدد كبير من المستشفيات، والمدارس، والمراكز الخدمية المتطورة، التي أسهمت في تحسين جودة الحياة للمواطنين. ولم تغفل الحكومة عن دعم المناطق الريفية، حيث تم إيصال الخدمات الأساسية إليها، مما قلل الفجوة بين المدينة والريف.
أولى الحزب الديمقراطي الكوردستاني اهتماماً بالغاً بالثقافة والتعليم، باعتبارهما أساساً لبناء المجتمع، فقد تم إنشاء جامعات حكومية وخاصة مرموقة مثل جامعة كوردستان - هولير، وجامعة دهوك، وجامعة السليمانية، والتي أصبحت مراكز علمية مرموقة في المنطقة.
شهد إقليم كوردستان في السنوات الأخيرة نهضة ثقافية ملحوظة تمثلت في تأسيس مؤسسات ومراكز حديثة تُعنى بالثقافة، والشباب، والإعلام الواعي، لتكون منصات حضارية تعكس طموح الجيل الجديد، وتحفظ هوية المجتمع الكوردي. يُعتبر مركز روانكه من أبرز المبادرات الشبابية والثقافية في إقليم كوردستان، ويهدف إلى بناء جيل مثقف وواعٍ ومبدع، يتخذ المركز من العقل النقدي والهوية الثقافية مرتكزين أساسيين في برامجه، ويعمل على تشجيع القراءة والكتابة، وتطوير المهارات الفكرية لدى الشباب.
"كوردستان كرونيكل" هي مجلة ومنصة إعلامية حديثة، ناطقة باللغة الإنجليزية، تمثل وجه كوردستان الثقافي والسياسي والاقتصادي أمام المجتمع الدولي، تهدف إلى نقل صوت وتراث وثقافة كوردستان إلى الدول الأجنبية، وتُعنى بتقديم محتوى تحليلي وموثوق يعكس التقدم، والتحديات، والفرص في كوردستان.
يمثل مركز "كوردستان للتبادل الثقافي - KACA" مؤسسة رائدة ومتخصصة في تعزيز الحوار الثقافي والتبادل الحضاري بين إقليم كوردستان والشعوب والثقافات المختلفة حول العالم. ينبع دور المركز من رؤية استراتيجية تهدف إلى ربط الثقافة الكوردية المحلية بالثقافات العالمية المتنوعة، مما يسهم في نشر الثقافة الكوردية بلغات أجنبية متعددة، وبالتالي تعزيز سهولة الوصول إلى المعلومات والمعرفة المتعلقة بالإرث الثقافي الكوردي.
إقليم كوردستان يُعد نموذجاً فريداً للتعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط، حيث يجمع بين مكونات متعددة دينياً وقومياً، ويُظهر قدرة استثنائية على تعزيز الوحدة والاحترام المتبادل بين جميع الأطياف. كما ساهم الحزب في تحويل الإقليم إلى وجهة سياحية مميزة، مستفيداً من طبيعة كوردستان الخلابة، واستقرارها الأمني، وبنيتها التحتية الحديثة.
إن ما تحقق في إقليم كوردستان خلال العقود الأخيرة هو نتيجة جهد سياسي وإداري كبير، كان للحزب الديمقراطي الكوردستاني فيه الدور الأبرز، فقد نجح في إرساء قواعد الحكم الرشيد، وبناء مؤسسات قوية، وتوفير بيئة اقتصادية مشجعة، إلى جانب تعزيز الثقافة والتعليم والحفاظ على الهوية الوطنية. ولا يزال الحزب يواصل مسيرته في خدمة كوردستان، ساعياً إلى تحقيق المزيد من التقدم والازدهار في ظل التحديات الإقليمية والدولية.
في هذه الذكرى الوطنية العزيزة، نعبر عن أسمى آيات التهاني والتبريكات للسيد مسعود بارزاني، راجين له دوام العمر المديد والصحة والسلامة، كما نوجه تحياتنا القلبية إلى السيد رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس الوزراء السيد مسرور بارزاني، ولكل كوادر الحزب الذين كانوا ولا يزالون رمزاً للنضال والتفاني في سبيل حرية وشموخ شعب كوردستان.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن