Erbil 28°C الثلاثاء 24 حزيران 09:32

مخالفة لدستور العراق.. بغداد تقطع رواتب إقليم كوردستان

هذا القرار، والذي يتفق العديد من المتابعين أنه قرار سياسي بامتياز، ارتُكبت فيه ثلاث مخالفات دستورية وقانونية وقضائية

كوفند شيرواني -  الأستاذ الجامعي والخبير النفطي

للمرة الثالثة (حسبما أُحصي)، تقطع الحكومة الاتحادية العراقية رواتب إقليم كوردستان، وتشمل رواتب الموظفين والمتقاعدين وعوائل الشهداء والمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية. كانت المرة الأولى في عام 2014، والثانية في عام 2020، وكلتاهما بأوامر من رئاسة الوزراء. أما المرة الثالثة فقد حدثت في الثامن والعشرين من شهر مايو من العام الحالي 2025، وكانت بخطاب رسمي من وزارة المالية العراقية، وقطع الرواتب هذه المرة ليس لشهر واحد، وإنما للأشهر الثمانية المتبقية من العام الحالي 2025.

تبريرات وزارة المالية

تذرعت وزارة المالية في قرارها بأن الإقليم استنفد حصته من الموازنة ونسبتها 12.6%، والتي تُحتسب من النفقات الفعلية لثلاثة أعوام (2023 و 2024 و 2025) المشمولة بقانون الموازنة العامة رقم (13) للعام 2023. ويقصد بهذا القرار أن ما استلمه الإقليم من الرواتب خلال هذه الأعوام يعادل كامل حصته، ولا يتبقى له أي استحقاق مالي، كما يوضح القرار.

مخالفات القرار: دستورية وقانونية وقضائية
وفق تحليلاتنا الشخصية المتواضعة، فإن هذا القرار، والذي يتفق العديد من المتابعين أنه قرار سياسي بامتياز، ارتُكبت فيه ثلاث مخالفات دستورية وقانونية وقضائية، نلخصها بالشكل التالي:

المخالفة الدستورية

يتقاطع قرار وزارة المالية مع المادة (14) من الدستور ونصها: "العراقيون متساوون أمام القانون ودون تمييز". وقد خُرق مبدأ المساواة الذي تتضمنه هذه المادة الدستورية بشكل واضح، لأن الوزارة سددت رواتب شهر أيار لكافة الموظفين في وسط وجنوب البلاد، فيما حجبتها عن موظفي الإقليم.

المخالفة القضائية

يتعارض قرار وزارة المالية كذلك مع قرار المحكمة الاتحادية رقم (224) الصادر في 21 فبراير 2024. وهذا القرار ملزم لجميع السلطات، ولا يجوز لأي قانون أو قرار أو وثيقة مخالفته. والبند السادس من هذا القرار نصه كالتالي: "لا يجوز أن يكون الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بشأن تنفيذ مواد قانون الموازنة سببًا لعدم صرف الرواتب الشهرية لموظفي الإقليم في وقتها المحدد".

أي أن قرار المحكمة الاتحادية يلزم بوضوح وزارة المالية بتسديد الرواتب بمعزل عن أي تفسيرات وخلافات حول مواد قانون الموازنة، وأن تسدد هذه الرواتب في وقتها المحدد.

المخالفة القانونية

ينبغي أن يبقى قانون الموازنة العامة رقم (13) لعام 2023 وإجراءات وزارة المالية متوافقة ولا تتعارض مع بنود قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019.

حيث تتضمن المادة 1- عاشرًا من هذا القانون ضرورة تقديم الحسابات الختامية لسنة قانون الموازنة بحلول نهاية شهر كانون الثاني من السنة اللاحقة. إلا أن تقديم الحسابات الختامية لم يتحقق لعدة سنوات في ظل الكابينات الوزارية المتلاحقة، وهو خرق للقانون تتحمله وزارة المالية، وقد تكون وراءه دوافع التعتيم على حالات كثيرة للهدر والفساد المالي في أبواب كثيرة من الإنفاق العام المدونة في قانون الموازنة.

كما أن تقديم الحسابات الختامية سيوضح أوجه الصرف والمقادير الحقيقية للإنفاق الفعلي وحصة الإقليم المستحقة من هذا الإنفاق. ولا يمكن تحديد النفقات الفعلية إلا في نهاية السنة المالية وليس في الشهر الخامس منها، فعليه فإن ادعاء وزارة المالية أن الإقليم استنفد استحقاقه من الموازنة لا يمكن الفصل فيه إلا بعد انقضاء ثمانية أشهر أخرى، وهي الفترة المتبقية من السنة المالية 2025. وبحسب ما ستصرفه الحكومة ومؤسساتها ومحافظاتها في الأشهر الثمانية المتبقية من العام الحالي، سوف يتغير مجموع النفقات الفعلية والاستحقاقات المالية للإقليم ضمنها.

اعتبارات أخلاقية

وبصرف النظر عن كل هذه القوانين والمواد الدستورية، فإن قطع الرواتب عن مليون و200 ألف مستحق من الموظفين والمتقاعدين وذوي الشهداء والمؤنفلين والمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية، أي قطع أرزاق نحو مليون عائلة قبيل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى المبارك، يعد تصرفًا غير إنساني وغير أخلاقي مهما كانت مسوغات ومبررات القرار.

كان الأحرى بوزارة المالية، وعلى أقل تقدير، أن ترسل الرواتب كاملة واعتبارها سلفة ثم إجراء تسوية للمستحقات المالية بين الطرفين (الحكومة الاتحادية والإقليم)، ليس للسنة الحالية فقط بل لكل السنوات من 2004-2022 تطبيقًا للمادة (11-أولًا) من قانون الموازنة.

آراء الخبراء

حين قطعت الموازنة في العام 2020، وقتها صرح الخبير القانوني المرحوم طارق حرب بأن قطع الرواتب غير جائز لأنه يمثل مصدر معيشة العوائل والأطفال والمسنين، ولا يجوز استخدامه وسيلة لمعاقبة الحكومات المحلية في هيئة محافظة أو إقليم. وفي ذات السنة، وبشأن قرار قطع الرواتب، أضاف الدكتور مظهر صالح المستشار المالي (ولا يزال) لرئيس الوزراء بأن قطع الرواتب ليس له أي أساس قانوني وإنما هو لدوافع سياسية، وهو أشبه بالفقاعة التي ستزول وتنفجر وبعدها تحصل تفاهمات وتحل الخلافات بين الأطراف السياسية المختلفة.

يتفق العديد من المحللين والمتابعين للشأن المالي والاقتصادي أن استخدام ورقة الرواتب كوسيلة لتجويع شعب كامل كإجراء عقابي تمارسه إدارات في الحكومة الاتحادية إزاء الإقليم، أو كورقة ضغط سياسي سبقتها أوراق أخرى بدأت وتزايدت إيقاعاتها وستبقى تتفاقم مع اقتراب موسم الانتخابات البرلمانية في شهر نوفمبر القادم.

الأخبار كوردستان

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.