Erbil 28°C الخميس 19 حزيران 16:32

وجع كوردستان... وحين لا يليق الصمت

قبل يومين، كنت ضيفاً في نشرة إخبارية على قناة زاكروس. ومنذ ذلك الحين، لم يغادرني شعور بالحزن العميق والانقباض النفسي. خجلٌ ثقيل حملتُه في داخلي، لا من موقف سياسي، بل من مشهد إنساني لأطفال حُرموا من فرحة العيد، ولآباء شعروا بالعجز في لحظة كان يجب أن يكونوا فيها مصدر السعادة لأسرهم.
Zagros TV

رمضان البدران

حين قررت الحكومة العراقية قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان، كان وقع القرار مؤلمًا إلى حد يعجز معه التعبير عن احتواء الألم. المشهد، بما يحمله من أبعاد إنسانية، تجاوز حدود السياسة إلى ما هو أعمق وأخطر: المساس بكرامة الناس ومعيشتهم في لحظة كان يُفترض أن تكون مساحة للفرح والطمأنينة.

قبل يومين، كنت ضيفاً في نشرة إخبارية على قناة زاكروس. ومنذ ذلك الحين، لم يغادرني شعور بالحزن العميق والانقباض النفسي. خجلٌ ثقيل حملتُه في داخلي، لا من موقف سياسي، بل من مشهد إنساني لأطفال حُرموا من فرحة العيد، ولآباء شعروا بالعجز في لحظة كان يجب أن يكونوا فيها مصدر السعادة لأسرهم.

ذلك الشعور بالحرج والمسؤولية لا يخص أهل كوردستان وحدهم، بل يقع على عاتق كل من يدرك خطورة استخدام الأدوات الاقتصادية كوسائل ضغط على الشعوب. فكرامة الإنسان، في أي مكان، لا ينبغي أن تكون ورقة تفاوض.

وجدت نفسي أمام أسئلة الإعلام الكوردي، أبحث عن كلمات أجيب بها دون أن أزيد الجرح عمقاً. كل سؤال حمل في طياته حيرةً ووجعاً، وشعوراً بتراجع الأمل في العدالة. كانت تلك الأسئلة بمثابة نداء إلى من يملك ضميراً حياً، يستمع ويتفهم ويواسي.

كتبت هذا المقال، وترددت في نشره، لأن مشاعر الألم أحياناً تعجز الكلمات عن نقلها كما هي. فما يشعر به أطفال كوردستان، وما يعانيه شبابها، لا يمكن أن يُختصر في سطور. ومع ذلك، يبقى من الواجب أن نعبّر.

كعراقي من البصرة، ومن منطلق إنساني وأخلاقي، لا أجد مبرراً لاستخدام الموارد الوطنية في أي خلاف داخلي على حساب الناس. النفط، وهو مصدر عيش العراقيين جميعاً، يجب أن يكون وسيلة للبناء لا أداة للضغط.

الأكثر إيلاماً هو غياب التفاعل الواسع من الرأي العام تجاه هذه الأزمة. فحين تصمت الأصوات التي كانت تنادي بالعدالة، يزداد وقع الألم. هذا الصمت لا ينسجم مع القيم التي تربينا عليها، سواء كانت مستمدة من الدين، أو الأخلاق، أو الروابط الوطنية.

رغم اختلاف موقفي السياسي مع أنظمة سابقة، فإنني لا أنسى أن لحظات بعينها شكّلت نقاط تحول في فهمنا لطبيعة التحولات التي يشهدها العراق. قرارات مصيرية في توقيتات حساسة، مثل تنفيذ أحكام في صباح العيد، أو قطع أرزاق الناس، تعكس تغيراً عميقاً في معايير السياسة والمجتمع.

ما يقلقني أكثر هو أن يتحول النظام السياسي من ساحة خلاف في الرؤى إلى حالة عامة من القبول بالتجاوزات، دون مساءلة أو مراجعة. أن نعتاد على ما لا ينبغي أن يكون معتاداً: تعطيل الحقوق، تغييب العدالة، وتراجع القيم الإنسانية.

العراقيون يستحقون ما هو أفضل. ويستحق أطفال كوردستان، كما أطفال كل العراق، أن يكبروا في ظل وطن يحميهم لا أن يُشعرهم بالخذلان.

الأخبار كوردستان

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.