Erbil 20°C الخميس 20 آذار 14:57

الثامن من آذار نضال مستمر وحقوق معلقة

Zagros TV

نجاح هيفو

يحلّ الثامن من آذار كل عام ليذكّر العالم بقضية المرأة وحقوقها، وهو ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل محطة للتأمل في التحديات المستمرة التي تواجه النساء، خاصة في مجتمعات الشرق الأوسط التي لا تزال تخوض صراعاً مع العادات والتقاليد المقيدة لمكانة المرأة. ورغم التقدم الذي حققته بعض الدول في سنّ القوانين التي تدعم حقوق المرأة، إلا أن الفجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي لا تزال قائمة، مما يجعل تحقيق المساواة الحقيقية بعيد المنال.

في هذا السياق، تتجلى التحديات التي تواجه المرأة بشكل مضاعف في البيئات التي تشهد صراعات سياسية واجتماعية، حيث تصبح النساء أكثر عرضة للتهميش والاستغلال. ومع ذلك، هناك تجارب ملهمة أثبتت قدرة المرأة على تجاوز هذه العقبات، ومن بينها تجربة المرأة الكوردية، سواء في مناطق النزاع مثل سوريا أو في إقليم كوردستان، حيث خاضت المرأة نضالًا مستمرًا لتحقيق حقوقها، ليس فقط على المستوى القانوني، بل أيضاً على مستوى المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية.

في سوريا، خاضت المرأة الكوردية تجربة استثنائية وسط الأوضاع السياسية المعقدة التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الأخيرة. فمع تصاعد النزاع، وجدت الكورديات أنفسهن في مواجهة تحديات مضاعفة، شملت النزوح، والتهميش، والاستغلال في ظل غياب بيئة قانونية توفر لهن الحماية والدعم.

ورغم هذه الظروف القاسية، لم تقف المرأة الكوردية مكتوفة الأيدي، بل برزت كعنصر فاعل في مختلف المجالات، حيث لعبت دورًا مهمًا في الإدارة المحلية، والمجتمع المدني، والتعليم، وحتى في جهود بناء السلام والمصالحة داخل المجتمع. وقد ساهمت في تأسيس منظمات نسوية تهدف إلى دعم حقوق المرأة وتمكينها، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه هذه الجهود.

لكن العقبات لا تزال قائمة، إذ تواجه النساء الكورديات في سوريا تحديات تتعلق بغياب الاستقرار السياسي، مما يهدد استمرارية الإنجازات التي تحققت. كما أن غياب الاعتراف الدولي ببعض الهياكل السياسية التي شاركت فيها المرأة الكوردية يزيد من تعقيد المشهد، ويجعل نضالها أكثر صعوبة. ومع ذلك، فإن صمودها وإصرارها على تحقيق حقوقها يعكسان إرادة قوية في بناء مستقبل أكثر إنصافًا.

على الجانب الآخر، في إقليم كوردستان، خاضت المرأة تجربة مختلفة من النضال، تميزت بتحقيق تقدم ملموس في المجالات السياسية والاجتماعية، بفضل الدعم القانوني والسياسي الذي وفرته حكومة الإقليم. فقد ساهم الاستقرار النسبي في كوردستان مقارنة ببقية مناطق العراق في خلق بيئة أكثر دعمًا لمشاركة المرأة، مما مكّنها من الوصول إلى مواقع صنع القرار والمشاركة الفعالة في المؤسسات الحكومية.

على مدار العقود الماضية، كانت المرأة الكوردية جزءًا أساسيًا من الحراك السياسي والاجتماعي، وساهمت في بناء مؤسسات الدولة، حيث تولت مناصب وزارية وإدارية، وشاركت بفعالية في البرلمان. كان هذا التقدم نتيجة لعدة عوامل، أبرزها التشريعات التي تم اعتمادها لحماية حقوق المرأة، والدعم الحكومي لتمكينها، إضافة إلى النضال المستمر الذي خاضته النساء .

لا يمكن الحديث عن تجربة تمكين المرأة في كوردستان دون الإشارة إلى دور القيادة السياسية، وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني، الذي لعب دورًا حاسمًا في تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة. فمنذ قيادته للإقليم، كان بارزاني مؤمنًا بضرورة مشاركة المرأة في بناء المجتمع، وسعى إلى خلق بيئة قانونية وإدارية تضمن حقوقها.

لقد انعكس هذا التوجه في سياسات الحكومة التي عززت مشاركة المرأة في المؤسسات الرسمية، وسنت قوانين لمكافحة العنف الأسري، وضمنت لها مكانًا في المشهد السياسي. لم يكن هذا مجرد تغيير شكلي، بل هو تحول حقيقي ساهم في تعزيز حضور المرأة في المشهد العام، وهو ما جعل تجربة كوردستان نموذجًا إيجابيًا مقارنة بالكثير من المناطق الأخرى في الشرق الأوسط.

في معظم دول الشرق الأوسط، لا تزال المرأة تواجه العديد من العوائق التي تحدّ من قدرتها على الوصول إلى مواقع صنع القرار. فبالرغم من أن بعض الدول قد أحرزت تقدمًا في مجالات مثل التعليم والعمل، إلا أن العقبات الثقافية والاجتماعية لا تزال تشكّل حواجز أمام تمكين المرأة بشكل كامل.

حيث تُمنع النساء في بعض المجتمعات من تولي وظائف معينة، أو يتم تقييد فرصهن في الترقية بسبب النظرة النمطية تجاه أدوارهن.

لا تزال المرأة تعاني من ضعف التمثيل في الحكومات والبرلمانات، على الرغم من وجود قوانين تشجّع مشاركتها، بالإضافة الى التحديات القانونية حيث لا تزال بعض القوانين غير منصفة للمرأة، خصوصًا في قضايا الطلاق، الحضانة، والميراث، مما يعزز استمرار التمييز ضدها.

 رغم الإنجازات التي تحققت، لا يزال الطريق طويلًا أمام المرأة في الشرق الأوسط، والكوردية على وجه الخصوص، للوصول إلى حقوقها الكاملة. فهناك حاجة إلى المزيد من الإصلاحات القانونية، إلى جانب ضرورة تغيير العقليات المجتمعية التي لا تزال تنظر إلى المرأة من منظور تقليدي.

إن الثامن من آذار ليس مجرد يوم للاحتفال، بل هو مناسبة لتجديد العهد بمواصلة النضال من أجل تحقيق العدالة والمساواة. فبينما تشكّل تجربة كوردستان نموذجًا يمكن البناء عليه، لا يزال هناك الكثير من العمل المطلوب لضمان حقوق المرأة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى تصبح شريكًا حقيقيًا في بناء مستقبل أكثر عدالة وإنصافًا.

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.