Erbil 9°C الأربعاء 20 تشرين الثاني 07:21

العراق.. السياسة المتخبطة وضعف بناء الدولة الحديثة

هذا البلد أشبه بسيرك لاعبوه لا يجيدون فن الحركات البهلوانية وحرس الحيوانات المفترسة لايملك خبرة والأبواب لا تملك أقفالاً والجمهور دفع سعر تذكرة الدخول ولم يجد ما يمتع ناظره بل وقع تحت مطرقة الخطر

 

✒️علي مهدي الأعرجي 

في المشهد السياسي المضطرب الذي مر به العراق لأكثر من عقدين، تظهر بوضوح أزمة بنيوية تتجاوز المظاهر السطحية إلى جذور المشروع الوطني المنشود. حيث النهج الذي تتبعه القيادات السياسية العراقية، والذي يبدو غير معني ببناء دولة حديثة، أسهم في تآكل أسس الدولة وإهدار الموارد الاقتصادية بشكل واضح، حتى أصبح العراق مسرحاً للفرص الضائعة.

من يحاول النظر بتمعن إلى السلطة في العراق يلاحظ أن النظام السياسي يعاني من هيمنة قوى  متنفذة تُحكم سيطرتها على مفاصل الدولة (وهنا أشير إلى سلطة المال والسلاح والمفهوم الديني العقائدي سابقاً، قبل أن يسقط من العقل الجمعي العراقي الذي أدرك حجم هذه الخدعة) ، مما يعيق التحول الديموقراطي الحقيقي ويمنع دخول الأجيال الشابة إلى الساحة السياسية. هذا الوضع يفرض قيوداً ثقيلة على طموحات الشباب وحراكهم، رغم أنهم يمثلون الفئة الأكثر ديناميكية وحيوية والقادرة على تقديم أفكار ورؤى جديدة قادرة على انتشال البلاد من أزماتها المتكررة التي أورثها لهم شيوخ الساسة بقصر وعيهم وانعدام المستوى الإدراكي للعمل والنهج السياسي الصحيح وعدم قدرتهم على القيادة. 

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد رغم كل الهفوات والفشل الناجم عن سوء التخطيط والتشبث في المنصب نجدهم سفاحين في افتعال الأزمات وخلق المشاكل من أجل الاستمرار في المنصب ويتطور لديهم مستوى الضحك على العقل العراقي إلى ابتداع فكرة التجديد في القانون حيث تغير هذه الطغمة الحاكمة قوانين الانتخابات بشكل مستمر، وهي ظاهرة تنفرد بها الساحة السياسية العراقية. من سخريات القدر أن العراق البلد المشرع لأول قانون في العالم هو (البلد الوحيد الذي يشهد تعديل القانون الانتخابي قبل كل دورة انتخابية)، بالتأكيد هذا الفعل يعكس رغبة القوى المهيمنة في تأطير المشهد السياسي بما يضمن بقاءها في السلطة، متجاهلة ضرورة استقرار القوانين الانتخابية كأساس لخلق بيئة ديموقراطية سليمة. هذه التغييرات المتكررة تُعزز الشكوك حول نزاهة العملية السياسية وتعمق الفجوة بين الشعب وممثليه. 

لابد أن ندرك أن ضعف الدولة لا يُقاس فقط بغياب الهيئات الرسمية أو البنية التحتية، بل أيضاً بعدم قدرتها على استغلال مواردها الطبيعية والبشرية بفعالية، فالقوة الشبابية التي تعتبر واحدة من أهم مصادر الثروة في البلد تعاني من أزمات متعددة من بطالة وجهل وتفاقم استخدامهم إلى المخدرات.. الخ... لك أن تتخيل في بلد غني بالثروات النفطية والزراعية، باتت ظاهرة هدر الموارد وتبديد الثروات من أبرز مميزاته، فالمشاريع التنموية الكبرى تُفشل قبل أن تُنفذ نتيجة سياسات اقتصادية تعتمد على المصالح الضيقة بدلاً من الرؤى الاستراتيجية، ويد عاملة شابة تعاني من البطالة يصاحبها جهل قيادي في المشهد الاقتصادي. 

حقيقة امر غريب. هذا البلد أشبه بسيرك لاعبوه لا يجيدون فن الحركات البهلوانية وحرس الحيوانات المفترسة لايملك خبرة والأبواب لا تملك أقفالاً والجمهور دفع سعر تذكرة الدخول ولم يجد ما يمتع ناظره بل وقع تحت مطرقة الخطر.

الخلاصة

إن الحاجة إلى مراجعة النهج السياسي أصبحت ضرورة ملحة، مما يتطلب تغييرًا جوهريًا يتجاوز السياسات التقليدية ويصل إلى إصلاحات تستهدف جوهر العملية السياسية. يجب الدفع نحو تشريع قانون انتخابي ثابت وعادل يتيح تداول السلطة بطريقة تحقق الطموحات الشعبية وتعيد الثقة بالنظام السياسي.

إن عدم إدراك القيادات لأهمية إشراك الشباب والاستفادة من خبراتهم المتجددة سيظل عائقاً أمام بناء دولة حديثة تتجاوز إخفاقات الماضي. 

إن حل الأزمة العراقية يتطلب إرادة وطنية حقيقية نابعة من الداخل، تُعيد رسم مسار الدولة نحو احترام إرادة مواطنيها واستثمار مواردها لصالح الأجيال القادمة.

✒️ علي مهدي الاعرجي
رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية والمعلومات في هولندا

الأخبار الشرق الاوسط

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.