الإبادة الجماعية:
هي التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسهم أو دينهم أو أصلهم. تمت صياغة هذا المصطلح في الأربعينيات من القرن العشرين بواسطة المحامي البولندي المولد رافئيل.
الجــانب السيــاسي:
تعرضت شعوب ومجاميع دينية وقومية وإثنية وغيرها إلى الإبادة الممنهجة في القرون والعقود المنصرمة وكانت قضية مؤتمرنا المنعقد في عاصمة كوردستان أربيل حول الظلم والتهجير ومصادرة أموال وقتل من قبل حزب البعث ضد الكورد وكانت القضية الأولى للمؤتمر الدولي الأول من نوعه ضد الكورد الفيليين في تاريخ 2/5/2023. وكما أشار الأستاذ فاضل ميراني إلى أن الكورد الفيليين تعرضوا للتهجير والقتل والاضطهاد مرة بسبب قوميتهم الكوردية ومرة أخرى بسبب الانتماء المذهبي كونهم عقائدياً مسلمين شيعة. فكانت أزمتهم كبرى لأنهم كانوا في العراق وحزب البعث يصفهم بأنهم (إيرانيون) وفي أيران كانوا يصفوا بأنهم (عراقيون).
إن الازمة الفكرية التي كانت في عقول قادة حزب البعث في أوائل السبعينيات بشأن الكورد الفيليين بدأت بعد ان عرفوا بالانتماء المطلق لهم للحزب الديمقراطي الكوردستاني. وكما وصفهم السيد ميراني بأنهم حاضنة البارتي وكما ذكر في بحثه الأكاديمي عن بعض الشخصيات الفيلية التي كانت قد تسنمت مواقع هامة جداً في البارتي، ومنهم الدكتور جعفر عبد الكريم الذي كان من المؤسسين وعضو مكتب الحزب السياسي الأول في مطلع السبعينيات، وأيضا كان حبيب محمد كريم سكرتيراً للحزب، والسيدة زكية إسماعيل حقي عضو اللجنة المركزية للحزب ورئيسة اتحاد نساء كوردستان، وأيضا يد الله كريم عضو اللجنة المركزية للحزب ورئيس اتحاد الشبيبة، وعادل مراد رئيس اتحاد طلبة كوردستان. وهنا بدأت محاربتهم بكل قوة لتهجيرهم خارج العراق من بغداد وبقية المحافظات.
وقد أشار الرئيس مسعود بارزاني في المؤتمر بكلمته القيمة إلى " إن الفيليين أسهموا بجدارة في تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني وأسهموا أيضا في قيادة ثورة أيلول مشيراً الى ان الفيليين حظوا بثقة واحترام البارزاني الخالد وذلك لتفانيهم وإخلاصهم في عملهم وانتمائهم.
الجــانب الأقتصادي:
حينها كان للفيليين قوة اقتصادية داخل بغداد كما أشار إلى ذلك السيد فؤاد حسين وزير خارجية حكومة العراق الاتحادية بحديثه في المؤتمر، وقال حينما بدأت عملية التهجير القسري للكورد الفيليين من بغداد بدأت الحكومة أنذاك تحس بأزمة اقتصادية ومالية، فضلا عن كونهم كانوا مشاركين فاعلين في الجانبين الأكاديمي والعلمي وغيرهما. كانت لديهم قوة واضحة تهيمن على اقتصاديات السوق وخصوصاً أسواق الجملة في الشورجة وبقية الأسواق التي تعتبر عصب اقتصاد بغداد والعراق. اذ كان لهم دور اقتصادي مع دورهم السياسي المؤثر على واقع حال العراق والذي كان يعرفه الجميع، وحينما هجروا قسراً تركوا أموالهم وأرزاقهم وممتلكاتهم جبراً ومن اعترض في ذلك الوقت على قرارات البعث الظالمة عذب وأعدم فورا. ومن هجر البلاد منهم حاول استعادة تجارته في المهجر ليقدم المساعدة لمن بقي منهم في الداخل، حيث بقوا محافظين على روابطهم المجتمعية مع جميع طبقات المجتمع العراقي في الوسط والجنوب بسبب الانتماء العقائدي المذهبي الشيعي فضلا عن انتمائهم القومي الكوردي.
كانت بداية حديث الأستاذ فاضل ميراني مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني واقعية وعالية المصداقية حينما قال إن حكومة العراق السابقة متهمة وحكومة الإقليم لديها تقصير بما يخص الكورد الفيليين على وجه الخصوص والكورد عموماً وإن عدم إيصال المظلومية التي وقعت على المكون الكودري نتحمله جميعاً. وان انعقاد هكذا مؤتمرات هامة وضرورية لتوثيق مظلومية الشعب الكوردي دلالة على حرص القيادة في إقليم كوردستان وحكومته التنفيذية المتمثلة برأيسها السيد مسرور بارزاني الذي تبنى هذا المؤتمر بتوجيه مباشر من قبل رئيس الحزب الأب الروحي للكورد والعراقيين السيد مسعود بارزاني. حيث قال الرئيس بارزاني في المؤتمر العلمي الدولي للتعريف بالإبادة الجماعية ضد الكورد الفيليين في أربيل يوم الثلاثاء الثاني من أيار لعام 2023:
" إنه من المسلم به أن الكورد الفيليين هم جزء أساس لا يتجزأ من الشعب الكوردي قاوموا ببسالة جميع المحاولات التي جرت ضدهم لصهرهم وبالرغم من كل هذه المحاولات حافظوا على هويتهم وثقافتهم."
كما وطالب الرئيس بارزاني بتعويض الكورد الفيليين تعويضا عادلاً مادياً ومعنوياً مقترحا تأسيس مركز خاص بهم في أربيل لمتابعة شؤونهم.
الجانب الاجتماعي:
كانت الروابط المجتمعية ما بين الكورد الفيليين وبقية أطياف الشعب العراقي قوية جداً وواضحة للعيان. من الجانب الديني والعقائدي هم اغلبية شيعية (اثنا عشرية) ومن الطرف السني ايضاً وفيهم من اليهود والكاكائية وغيرهم. وتربطهم في كوردستان وشعب كوردستان القومية الكوردية والارتباطات الحزبية مع البارتي ايضاً ولديهم شهداء كثر قدموا أرواحهم من أجل القضية الكوردية وكما أشارت إلى ذلك الدكتورة أشواق الجاف مسؤول فرع البارتي في العاصمة بغداد في البحث الذي قدمته حول الشهيدة ليلى قاسم والتي انتمت في بداية السبعينيات إلى البارتي والتي كانت أول شهيدة تحكم بالاعدام شنقاً وقد خلد ذكراها جميع الكورد. وكانت هناك التفاتة رائعة من قبل السيدة الجاف حينما قالت إن انعقاد هكذا مؤتمرات للكورد الفيليين هو لأحياء القضية الكوردية ودعمها وليس من اجل استخدامها سياسياً كما يشاع بين البعض وهذه ملاحظة هامة جداً في المؤتمر حتى لا يؤخذ عليه بأنه مؤتمر سياسي او يراد تسيسه بل هو مؤتمر أكاديمي بحثي يجسد تاريخ ونضال وحاضر ومستقبل هذه الشريحة التي قدمت وأسهمت في بناء تاريخ الامة الكوردية وهي جزء لا يتجزآ من الأمة الكردية كما أشار ويشير إلى ذلك دائما فخامة الرئيس مسعود بارزاني. في خطابه المؤثر الذي كشف فيه عن أرقام كارثية أوجعت قلوب الحاضرين حين قال:
" إن الفيليين تعرضوا لمعاناة كبيرة وكارثة كبيرة حيث حاول النظام بشتى الوسائل ثنيهم عن مواقفهم القومية وحاول سلخهم عن قوميتهم لكن كل الأساليب فشلت فلجأ إلى الوسائل والأساليب الوحشية منها الإبعاد القسري بحجة أنهم أجانب ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة والأنكى من كل ذلك الرقم الذي لا شك فيه وهو 12 ألف شاب وربما العدد أكثر بكثير لكن هذا هو المؤكد من سن 18 إلى 30 سنة من الذين جرت تصفيتهم بشكل وحشي ولا أحد يعرف حتى الان أين دفنوا"
وأشار الرئيس بارزاني ايضاً إلى " انه في عام 1981 جرت التجارب الكيمياوية في منطقة عكاشات على 300 شاب فيلي وبعد ذلك جرت العملية نفسها على نحو 150 شابا من البارزانيين الذين تمت تصفيتهم ايضاً"
وقد اكد الرئيس بارزاني " ان شعبنا لن ينسى كل هذه الجرائم لكنه ترفع عندما اتته الفرصة وأنه لم ولن ينتقم لكنه لن ينسى هذه الجرائم"
اخيــراً دعونا نستذكر ما قاله الأستاذ فاضل ميراني حول سن قانون جائر ضد الكورد حسب الانتماء المذهبي وعدم اعتماد المواطنة أساسا للحكم والعدالة في التعامل والتي كانت منعدمة مما أدى الى تقسيم الشعب العراقي قوميا هذا عربي وذاك كوردي ومذهبيا هذا سني وذاك شيعي ومزقت لحمة وجسد الشعب وخرقت وطنيته والانتماء له. وقال ميراني ان القضية الأخطر ليست في سن هكذا قانون يشرعن لهم صلاحية ظلم الكورد الفيليين بل الأخطر هو عدم فهم السلطة او رفضهم فهم معنى الحكم الرشيد وهو حكم لا يجئ بالأماني ولا بالشعارات الباحثة عن التصفيق بل بالعمل في اثناء شغل المنصب لتركيز فكرة المواطنة مهما تعددت العرقية فيها والدينية والعقائدية والفيليون والبارزانيون ومئات الألوف من مواطني هذا البلد ضحايا تاريخية وحاضرة لعقل السلطة التي انحرفت نحو الاستبداد وكانت مستعدة لمغادرة الرشد والعدالة.
العــدالة أن تكون متقاسماً بالحقوق والواجبات مع شعبك لا أن تكون حاكماً بلا عدالة وتميز بينهم عرقياً وقومياً ومذهبياً وعقائدياً فالوطن وطن لجميع أطيافة ولا يمكن تجزؤته.
بقلم: الدكتور هيثم المياحي
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن