السلاح المنفلت
انتشار السلاح المنفلت بطريقة عشوائية في شوارع ومدن العراق من قبل العشائر والميليشيات، ظاهرة أمنية خطيرة تؤدي الى أزمة معقدة تهدد الامن المجتمعي. ويقود هذا السلاح الى تمرد فوضوي باي لحظة من قبل بعض العشائر او المليشيات نتيجة لضعف الدولة وغياب القانون. ومشهد التهديدات والدكات العشائرية لرموز الدولة العراقية يتكرر في كل مرة, وهو سلوك غارق في الابتذال وخارج عن السياقات والانساقات التاريخية للمجتمعات والأمم.
وآخر الدكات طالت رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من قبل عشيرة مدير مطار بغداد الدولي، نتيجة توبيخه ادارياً امام الاعلام بسبب ما اعتبره حالة من الفوضى والخراب داخل المطار, وهي حالة طبيعية في التراتب الوظيفي.
وقبلها كان تهديد الى رئيس مجلس النواب من قبل عشيرة وزير الداخلية بسبب انتقاد الوزير وطلب استجوابه. وهذه الدكات الإرهابية ليس الأولى ولا الأخيرة التي تهدد الدولة العراقية ورموزها.
فقد كان للميلشيات المسلحة حصة كبيرة في تهديد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وضرب منزله بالصواريخ والتهجم عليه وتهديده بألفاظ نابية. فضلا عن استعراض العديد من المليشيات الخارجة عن قانون الدولة بأسلحتها الثقيلة والمحمولة على عربات تجوب شوارع المدن بدون ادنى مبرر.
وهناك تصاعد مستمر وبشكل يومي للنزاعات العشائرية المسلحة في جنوب ووسط العراق، نتيجة الخلافات والتناحرات الاجتماعية المختلفة بين العشائر المدججة بأنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة. التي تقوم بفض نزاعاتها بمنطق قوة السلاح بعيدة عن الدولة وضوابطها القانونية. في الوقت الذي لا تستطيع الدولة وحكوماتها المتعاقبة السيطرة على تمرد العشائر وضبط سلاحها التي لاتزال تتمسك به كعادات بدوية, وكأنها اقوام وجماعات خارج منطق التاريخ. ووضع حد للفوضى الامنية ومعاقبة المتاجرين به او فرض قواعد قانونية لتقنين السلاح.
الإرهاب العشائري
دعم العشائر من قبل الأنظمة السياسية، وتزويدها بالأسلحة والأموال تحت مبررات وعناوين متعددة منها (الاسناد العشائري , الحشد العشائري , الصحوات) أدى ذلك الى تصعيد النزاعات والخلافات فيما بينها. وهذا مما أتيح لها فرصة توسيع نفوذها وتواجدها كدولة داخل الدولة.
والهدف من هذا الدعم هو استمالتهم للسلطة من اجل تثبيت قواعد النظام السياسي وحاكميته. مما جعل بعض العشائر تشكل مصدر قلق يهدد الامن السلمي في المجتمع، وتطاول صريح على الدولة ونظامها الديمقراطي لتمارس سطوتها وتثبيت وجودها بجميع الطرق الإرهابية على سلطة الدولة مستخدمة كل الادوات الممكنة.
فالبعض منها يتمرد على قرارات مجلس القضاء الأعلى وهو اعلى سلطة قضائية في العراق. وهذا ما دفع بعض العشائر بمنع الشركات وعرقلة الاستثمارات المحلية والاجنبية في المدن والقرى بقطع الطرق وطرد الشركات النفطية والانشائية، وترهيب الموظفين بقوة السلاح, لابتزازهم بدفع الاتاوات المادية أو تشعيل جميع أولادهم عنوتاً, او فرض شركات خاصة بهم. مما دفع بعض الشركات لمغادرة البلد نتيجة تلك الضغوطات اليومية والتهديدات الإرهابية.
لم يتوقف الإرهاب العشائري الى هذا الحد فقد قتل الكثير من الأبرياء من المدنيين والقادة العسكريين نتيجة المواجهات بين الجيش وبعض العشائر المتمردة في جنوب العراق والوسط والمناطق الغربية. أمام عجز الدولة وحكوماتها بتطبيق مشروع يحمي المجتمع من السلاح المنفلت الذي يقدر بأكثر من 7 ملايين قطعة سلاح، بين خفيف ومتوسط، وحصره بيد الدولة ومؤسساتها الأمنية.
رغم ان اغلب برامج الحكومات التي تعاقبت على السلطة تؤكد على أهمية فرض القانون وإعادة هيبة الدولة والتزام المؤسسة العسكرية بحماية المجتمع ومدنه من الانتهاك الصارخ للقوة المنفلتة وحصر السلاح بيد الدولة. الا انها غير قادرة على تنفيذ هذا المشروع امام إرهاب العشائر والمليشيات المسلحة.
ومن الأسباب الرئيسية للفوضى الأمنية في العراق هو استفحال بعض العشائر والميليشيات على سلطة الدولة والسبب يعود إلى فشل النظام السياسي ومنظومة إدارة الدولة، وضعف المؤسسات الأمنية, وانهيار المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، وضعف وسائل الضبط الاجتماعي, وتراجع مستويات التعليم وانتشار الجهل والأمية، وغياب الإرادة الوطنية والمشاريع الإصلاحية في المجتمع.
العشائر والانتخابات
هناك دور وتأثير فاعل للعشائر العراقية في المشهد الانتخابي, لما يحظى به شيوخ بعض العشائر من دعم لا محدود من قبل زعماء الأحزاب والكيانات السياسية لتحقيق غاياتها السياسية والانتخابية. فتذهب الأحزاب الى استقطاب شيوخ العشائر ورموزها للمشاركة في الانتخابات كمرشحين داخل صفوف الأحزاب والتيارات. لضمان أصواتهم في الانتخابات والحصول على دعمهم للفوز بالمقاعد النيابية.. وهذه المكانة تمنح شيوخ العشائر نفوذا سياسا كبيرا داخل مؤسسات الدولة، وتساهم في التأثير الواضح على القرار السياسي والإداري بسبب خضوع بعض العقليات الإدارية في مؤسسات الدولة لسلطة وسطوة العشيرة.
ويتزايد نفوذ العشيرة مع تزايد ضعف الدولة بصورة طردية, وهذا ما يدفع العشيرة الى بروز دورها كطرف حامي ومدافع عن حقوق الرعية على حساب الدولة وسلطتها الامنية. وهذه المكانة منحت العشيرة قوة قرار واختيار بعض ابناءها كمرشحين لمجلس النواب ومساندتهم للفوز بقوة في الانتخابات. رغم ان اغلب هؤلاء غير مؤهلين سياسيا وثقافيا بسبب قلة الوعي السياسي لذلك يصبح دورهم محدود في المشهد السياسي محدود وليس لهم أثر أو تأثير كبير داخل البرلمان سوى ارتباطهم في توجيه الأحزاب والكيانات الداعمة لهم.
المعالجات والحلول
يعتبر ملف السلاح المنفلت من اكثر الملفات المعقدة التي تواجه الحكومات وسياستها في الدولة العراقية, لكونه يمثل تهديدًا كبيرًا لأمن واستقرار المجتمع. كما يعتبر السلاح المنفلت من أبرز الأسباب التي تساهم في ارتفاع معدلات الجريمة والعنف في البلاد، بالإضافة إلى تعطيل عملية إعادة الإعمار وتنمية البنى التحتية، وتأثيره على الحياة اليومية للمدنيين والسلم الاهلي. وتعمل الحكومة العراقية على محاولة السيطرة على المشاكل الامنية اليومية، وتحديد مصادر السلاح واتخاذ إجراءات الامنية, ولكن بطريقة بسيطة لا ترتقي للجدية.
ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية لمعالجة هذه المشكلة هي تشديد الرقابة على معابر الحدود، وتكثيف الجهود الأمنية والعسكرية لتفتيش بعض المناطق التي تشتبه في وجود أسلحة منفلتة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات مع الدول المجاورة. ومع ذلك، فإن حل هذه المشكلة يتطلب جهودًا مستمرة وتعاونًا شاملاً من الحكومة والمجتمع المحلي والدولي.
وقبل معالجة هذا الملف تحتاج الحكومة الى تعبئة المجتمع ومحركاته المدنية من نقابات ومنظمات واتحادات بشعارات نبذ السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة. فضلا عن ذلك تحتاج الحكومة ومؤسساتها الأمنية الى خارطة طريق واضحة وقرار سياسي وعسكري وعشائري شجاع, مع تطبيق عدة إجراءات سياسية وأمنية واستخبارية.
تتمثل بعمليات وفعاليات عسكرية موسعة كالمداهمات والتفتيش والمباغتات الميدانية في الليل والنهار من خلال استخدام أجهزة كشف الاسلحة ووضع السيطرات العسكرية بصورة مفاجئة في المناطق المحذورة أمنيا. متعتمدة تلك الفعاليات على معلومات امنية واستخباراتية.
وهناك عدة مقترحات لتجريد العشائر والمليشيات من سلاحها المنفلت بواسطة شراءه بأسعار مضاعفة، مع الاحتفاظ بقطع شخصية خفيفة تحت غطاء قانوني وتراخيص حيازة السلاح. وإصدار تشريع يحرم ويجرم استخدام السلاح خارج إطار الدولة باي مناسبة وتحت أي مبرر. وربما سلاح المليشيات سهولة ضمه للدولة بواسطة دمج الفصائل بأجهزة الدولة بالقوة، ولكن سلاح العشائر هو الأصعب في هذا الاجراء..
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن