د. مهند الجبوري
هو مسعود مصطفى محمد البارزاني، ولد في كوردستان إيران في مدينة مهاباد في١٦اب ١٩٤٦ ، في ظروف قاسية عانى من خلالها البارزانيون حياة قاسية, لاسيما بعد ان نزحت عشائر بارزان تاركة كل ما تملك في مسقط رأسهم من منطقة بارزان بعد انهيار حركة بارزان ١٩٤٣-١٩٤٥ ،لاسيما بعد معركة بيرس ١٩٤٥،التي انقلبت بعض العشائر الكوردية على البارزانيين معلنين وقوفهم مع الحكومة العراقية، مكث البارزانيون ما يقارب السنة الكاملة داخل الاراضي الإيرانية، اذ عادوا الى العراق عام 1947 بعد انهيار جمهورية مهاباد التي دامت أحد عشر شهراً، عاملتهم الحكومة العراقية بشكل قاس، ووضعت الكثير من قيادات بارزان داخل السجون التي توزعت في مدن وسط وجنوبي العراق، إلا والد السيد مسعود البارزاني فضل مع كوكبة من مقاتلي عشائر بارزان اللجوء الى الاتحاد السوفيتي السابق على ان يسلم نفسه للحكومة العراقية، ليحرم السيد مسعود البارزاني عطف الأبوة التي عوضها نوعاً ما عمه الشيخ محمد البارزاني أو الملقب (بالشيخ بابو).
مكث مسعود البارزاني ردحاً من طفولته في عاصمة العراق بغداد ودخل في مدارسها العربية وأتقن اللغة العربية بشكل جيد جداً، شاءت الأقدار ان يسقط النظام الملكي في العراق عام ١٩٥٨ ويحل محله النظام الجمهوري الذي اصدر قرارا بالعفو عن جميع البارزانيين والسماح بعودة المغتربين منهم في الاتحاد السوفيتي السابق ليعود والده الملا مصطفى البارزاني ويراه بعد غياب استمر اثني عشر عاما ليعيش فترة جميلة من حياته مع والده، ويعود معه الى قرية بارزان، إلا إن تلك السعادة لم تدم فسرعان ما حصل سوء فهم بين البارزانيين وحكومة بغداد الممثلة برئيس وزرائها الزعيم عبد الكريم قاسم، مما أدى في الأخير الى حصول قتال دام سنوات عدة والتي عرفت بمصادر التاريخ ثورة أيلول 1961، وهنا بلغ عمر السيد مسعود البارزاني الستة عشر عاما ليلتحق بكنف الثورة المسلحة ليكون أصغر مقاتل بيشمركة في صفوف الحركة التحررية الكوردية فشعر بالسعادة التي لا توصف، لاسيما بعد حصوله على موافقة شيخ بارزان الشيخ احمد البارزاني الذي ترك الأمر له في موافقته من عدمها ، لذلك كانت موافقة الشيخ احمد البارزاني في السماح له بالانضمام إلى صفوف الحركة الكوردية غاية السعادة له، دخل الحركة الكوردية ولم يجد معاملة تميزه عن بقية المقاتلين البارزانيين, وانما عومل كأي مقاتل في صفوف الحركة ولم يشفع له أن والده الملا مصطفى البارزاني قائد تلك الحركة، وهذا ما تميز به جميع شيوخ بارزان بأنهم ينظرون للبارزانيين وجميع رعاياهم نظرة واحدة دون أية تفرقة أو تمييز في كل شيء فلم يميزوا بين الابن والأخ والخال والعم بل ان الجميع تحت منظور واحد.
اكتسب مسعود البارزاني من خلال انضمامه للحركة التحررية الكردية صفات عديدة كان أهمها الصبر والخبرة في إدارة الاوضاع العصيبة فلم يشتك من شيء ولم يتباهَ بأن والده القائد بل عمل بصمت حتى استطاع ان يلفت نظر جميع المقاتلين قبل ان يلفت نظر والده، الأمر الذي مكنه من ان يتبوأ مراكز عديدة في الحركة الكوردية التحررية والتي حصل عليها بجهده ومثابرته وحبه لعمله خدمة لشعبه لتحقيق أهداف تسعى الحركة الكوردية الى تحقيقها كان أولها الحقوق المشروعة للشعب الكوردي.
تعلم السيد مسعود البارزاني انه لا فرق بين الجميع وان الهدف هو تأمين الحقوق، وشارك في معظم المعارك وعاش حلوها ومرها، حتى شكل ثنائيا ناجحا مع شقيقه الراحل إدريس البارزاني رحمه الله، فقد عملا بكل جد وصدق لخدمة شعبهما متحملين جميع الظروف التي مرت عليهما، وهنا يجب أن أنوه إلى بعض المشككين انه :(لو أراد الملا مصطفى البارزاني ومن بعد السيد مسعود البارزاني التنازل ولو بشيء قليل عن حقوق شعبهم الكوردي لعاشوا عيشة الملوك والأمراء لكنهم كانوا يضعون بين حدقات عيونهم شعبهم ومصالحته فوق مصالحهم الشخصية).
عاش السيد مسعود البارزاني كل ظروف الحركة التحررية الكوردية بنجاحاتها وإخفاقاتها، وتصدى للكثير من المؤامرات التي حاول بعضهم أن يدسها داخل صفوف الحركة التحررية الكوردية، قدر له بعد وفاة والده الملا مصطفى واخيه ادريس رحمهما الله تعالى، أن يقود الحركة التحررية الكوردية منذ عام ١٩٨٩، متحملا هم كل كوردي بغض النظر عن انتمائه وتوجهه, لأنه يرى الكل إخوته وأولاده ولم يسع منذ تسلمه زمام الأمر الى تفرقة أو شرخ الصفوف، بل كان سباقاً لجمع البيت الكوردي، لأنه يدرك أن الوحدة قوة والتفرقة ضعف يسهل على المتربصين ضربهم في الصميم.
لم يستطع السيد مسعود البارزاني ان يعيش حياة الترف انما ظل زاهدا في حياته لإحساسه بوجع اهله وناسه من الشعب الكوردي الذي كان يعاني من ظروف اقتصادية وأمنية سيئة جدا، وبالرغم من ذلك صمد واستطاع أن يعبر بكوردستان العراق إلى بر الأمان، لاسيما بعد أن تنفس الكورد الصعداء بعد عام ٢٠٠٣، وظل يعمل جاهداً وراء نيل حقوق الشعب الكوردي المشروعة في العيش الكريم والطمأنينة والأمان والاستقرار، لان الشعب الكوردي تعب من عدم الاستقرار والتهجير وويلات الحروب التي لم يجن منها الكورد سوى تقديم الضحايا والحياة المليئة بالألم.
نجح السيد مسعود البارزاني في الحصول على العديد من المكاسب لشعبه وتثبيتها ضمن الدستور العراقي،الذي صوت عليه جميع الشعب العراقي عام ٢٠٠٥ ، واستمر الاستقرار السياسي والاقتصادي والعلاقات الجيدة بين حكومة كوردستان وحكومة المركز في بغداد الى بدايات عام ٢٠١٢, اذ حصلت تطورات أدت إلى توتر العلاقة بين المركز والإقليم والتي حاول السيد مسعود البارزاني بكل جهده حلها ,(إلا إن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن)، اذ قطعت ميزانية الإقليم وحوصر الشعب الكوردستاني حتى وصل الحال الى مطالبة السيد مسعود البارزاني بإجراء استفتاء عام لتقرير المصير، عام ٢٠١٧ والذي حصل على نسبة ٩٢%.
وبالرغم من نجاحه سجل السيد مسعود البارزاني موقفا قل نظيره بل لم يستطع أي مسؤول عراقي منذ عام ٢٠٠٣ إلى وقتنا هذا ان يتنازل عن منصبه, اذ تنازل السيد مسعود البارزاني عن رئاسة اقليم كوردستان، ليتفرغ للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وليكن المرجع الكوردي الأول في العراق والعالم وهو في الأصل كان كذلك.
نعم انه السيد مسعود البارزاني الذي لم يكن موقفه هذا بغريب عن الابن الذي ينحدر من نسل علماء وشيوخ طرق صوفية الذين طالما كانوا هم من يشرفون المنصب والمسؤولية لا العكس، بل انهم دائما كانوا بين الفقراء والمظلومين من شعبهم لانهم يجدون السعادة بينهم.
لذلك أثبت السيد مسعود البارزاني من خلال تاريخه الطويل والعريق أنه رجل قل نظيره من الرجال وانه الاب الروحي والسيد والمرجع والرئيس والبيشمركة والشيخ والزعيم للأمة الكوردية، والمثال الاعلى لكل المظلومين في شعوب العالم الحرة، وعلى الجميع الاقتداء به.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن