مهند محمود شوقي
على حين غفلة وكأصحاب الكهف استيقظنا على صوت عشرات المحطات الفضائية في العراق .... بأسماء مختلفة وعناوين مختلفة ومواضيع مختلفة وزوايا ورؤى تتلمذت واحترفت لتنقل لنا وقائع الأخبار بصورة مختلفة! لست هنا لانتقد حالة الديمقراطية التي جعلت من تاجر الدقيق مالك محطة فضائية أو من الاخر ان كان نجاراً أو حداداً فالمهن محترمة لكن ما دخلهم من الاساس بالاعلام؟ وكيف صار الإعلام في العراق غاية نحو وسيلة؟
أتذكر في عام 2004 وتحديداً في بغداد كيف تحولت بعض المحال والمخازن في ازقة المدينة بين ليلة وضحاها الى دور نشر استطاعت ان تغرق الاسواق حينها بالمئات من الجرائد والمجلات التي اقسم ان معظم من كنت اراهم يعملون في هذا المجال ليس لهم علاقة ولاشأن في الموضوع برمته... أحدهم كان نجارا ولم يستبدل عماله بعد ان غير المكائن ووضع بدلا عنها الطابعات الخاصة بالنشر! لم اتخيل حينها ان تلك الدكاكين التي تحولت الى مطابع ستتحول فيما بعد الى محطات فضائية لتغزو شاشات التلفاز لاحقاً.
الديمقراطية تتيح ذلك؟!
أمور كثيرة كانت قد استحوذت عليها احكام الدكتاتورية في العراق قبل عام 2003 ولربما وجد المواطن العراقي ضالته بعد ذلك ليصحو من نومة الكهف الى حقيقة التعددية الديمقراطية بعد كابوس الدكتاتورية المقيت؛ لكن الصدمة كانت في الاستيقاظ المفاجئ من دون مقدمات ولا تدرج ولا تدريج .... بين ليلة وضحاها شبكات هاتف جوال ومحطات فضائية متاحة وابراج انترنت واعلام يتحدث بالحقيقة والحقوق وينقل لنا الصورة وفق ما يريد وينتج مايريد ويأخذ مايريد .... من دون ان نريد بالاحرى فنحن نشاهد لا اكثر.
وهنا بدأت الطامة الكبرى، ودخلنا المضمون من حيث لا نعرف؛ حين تحولت ادوات الإعلام في العراق الى ادوات ضرب تحت الحزام للاحزاب فيما بينها وللتسقيط وفق ما تشاء، وللتشهير حيث ما دعت الحاجة او الاكتفاء بالابتزاز لحين الضرورة.
وفي ظل هذا التخبط بعد عشرين عاماً صار المواطن العراقي اليوم يبحث عن الحقيقة من المطروح (من الفاسد) في حين ان الجميع متهم ابتداءً من مالك المحطة مروراً بمقدم البرامج الحوارية وصولا الى ضيف المقدم ؟ وهنا يدق آخر مسمار في نعش نقل الحقيقة حينما يكون ناقل الخبر متهماً والمؤسسة الاعلامية متهمة والضيف متهماً! والجميع يتحدث عن محاربة الفساد!
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن