كثيرة هي الحوادث والأحداث والأزمات التي تكشف لنا بعض الخفايا التي يُحدثها الإعلام في مجتمعاتنا عن قصد أو من غير قصد، فإعلامنا اليوم مجرد أداة فارغة من أي محتوى حقيقي تطويري أو مادة تسعى إلى تطوير الفكر المجتمعي وخاصة الفكر الشبابي، من هنا أردت استخدام عنوان بمثل شعبي أن الجيب خالي والخشم عالي، فالجيب الخالي من أي فكر لا يصنع في أقل تقدير الانتماء الحقيقي لهذه الأوطان، وفي الوقت ذاته نرى أن خشمه عال أو متعال عن رصد الحقائق ومتابعتها، فإعلامنا أشبه بالرجل يسير متبختراً رافعاً أنفه نحو السماء بينما في واقع الحال هو طبل فارغ القلب مرتفع الصوت.
الإعلام في حقيقته الأكاديمية مختلف كل الاختلاف عن الجيب الفارغ إنه وسيلة الصلة الأولى مع الشعوب وهو صاحب اليد في الوصول إلى جماهير متعددة في التوقيت ذاته والمتمثلة في الصحف، الإذاعة التلفزيون، والفضائيات إضافة إلى الأنترنت الذي يعد اليوم أهم وسيلة إعلامية وهي الأخطر خاصة على فئة الشباب لأنهم الأكثر استخداماً لها، فوسائل الإعلام تؤثر في توجيه فكر الشباب وثقافتهم، ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بدرجة كبيرة في التنشئة الاجتماعية والسياسية للشباب، وهذا التأثير بات بفضل الرقابة العرجاء سلباً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأنا هنا بقصد أن أضع خطاً عريضاً على سبيل المثال تحت قانون حظر المواقع الإباحية حيث يعتبر مثل هذا القانون ملائماً لقيمنا وعاداتنا وديننا لكن لنكن صريحين وواضحين، هل سيكون حظر هذه المواقع ذا منفعة حقيقية، خاصة وأن آلاف من البرامج قادرة على فك هذا الحظر، وبالتالي سيصبح كل ممنوع مرغوب أكثر وأكثر، لنكون هنا أمام جهل إعلامي وسياسي واضحي المعالم.
إننا نريد أن نبني سدوداً خشبية هشة بوجه سيول الحداثة والتطور، فالنتيجة واضحة كوضوح الشمس لن يكون مثل هذا القرار سوى مضيعة للوقت والجهد والمال، وهنا نعود لنؤكد أن إعلامنا فارغ الجيب من أي مضمون حقيقي، أليس من الأولى أن يتم صناعة برامج تنموية ثقافية ومشاريع شبابية تقتل الفراغ وتنمي القدرات التطويرية، فبناء الجيل الواعي هو المطلوب وليس حظر المواقع الإباحية، بل تطوير الشباب وصناعة الإنتماء والأخلاق والثقافة هو المطلوب، وليس بث التفرقة والعنصرية والطائفية.
ففي الوقت الذي تحظرون فيه المواقع الإباحية الجنسية تفتحون في الوقت ذاته مواقع التفرقة الدينية والتطرف الفكري والتخلف الثقافي، وتروجون ببرامجكم العهر والجنس المُبطن والعلاقات الساقطة ثم تخرجون على الشعوب لتقولون إننا نواجه هجمة تحاول النيل من ثقافة الشباب، عن أي شباب تتحدثون وأنتم أسهمتم في صناعة جيل من الدمى الفارغة المُقلدة، وعن أية ثقافة تتحدثون وقد ضيعتم التاريخ والنضال وأفكار التحرر.
شبابنا اليوم أصبحوا بسبب فشل منظومتنا الإعلامية التوجيهية خاضعين لقيم العالم الافتراضي التي تبثها وسائل الإعلام على مدار الساعة وهي التي تقرر ما سيكون عليه شباب المستقبل، إننا باستسلام إعلامنا وانحطاطه وفراغ جيبه أصبحنا نربي جيلاً للآخرين، والحكومات غير القادرة على أن تصل إلى شعوبها من خلال أفكارهم هي حكومات آنية وهشة ومعرضة للزوال.
نخلص من كل هذا إلى أن الإعلام بمختلف أنواعه وأجهزته يمثل نافذة مهمة للتثقيف الشبابي ولزيادة الوعي بأهمية المشاركة السياسية وينمي المعرفة خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي أتاحت فرص عديدة للشباب للتعبير عن مواقفهم، أما اليوم فبات إعلامنا رجل فارغ الجيب فلا تتوقعوا أن تروا أجيالاً من الشباب المثقف والواعي بل ستكونون أمام أجيال لا تنتمي إلى أرض هذه الأوطان قيد أنملة، وإن كنتم تظنون أنكم بحظر المواقع الإباحية تحافظون على أجيالكم فأحب أن أؤكد لكم أنكم لا تعرفون شيئاً في عالم التكنولوجيا ولا تدرون ما تعنيه حروب غسيل الدماغ.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن