يُقال في الأدب الشعبي العراقي "فلان مثل الأطرش في الزفة" وكلنا يعلم انعكاس ومعنى هذا المثل، فالزفة هي العرس والغناء، والأطرش هو الشخص الذي لا يسمع فينظر إلى من يتمايلون ويرقصون ويصفقون ويبتهجون ويستغرب من حركاتهم وتصرفاتهم لأنه بكل بساطة لا يسمعهم، فهو يشاهد ولا يسمع الصخب من حوله، خاصة وأن الصخب هو السمة الأبرز التي يحتار فيها الأطرش.
ومن وجهة نظري فإن إعلامنا اليوم هو الأطرش بالزفة الذي يرى صخب الأحداث السياسية وصخب الصفقات والتعاملات والتنازلات والمؤامرات لكنه لا يسمع صداها بل ولا يفهم حركة شفاهِها.
فالعقلاء الذين يُتابعون أخبار العراق أو ما ينشره وما يبثه الإعلام ليل نهار يعرفون أن إعلامنا أطرش، خاصة وأن أغلب السياسين في هذا البلد لا يملكون الإرادة الحقيقية للدفاع عن مصالح الشعب فهُم مُجرد ببغاوات يُرددون ما يُوافق عليه اللاعب الحقيقي ولايعرفون ما يجري خلف الكواليس ولهذا تراهُم يتخبطون في تصريحاتهم المُختلفة تماماً عما يجري وهم يُشبهون من يأكل التمر مع الشاي،
وتصادف مقالي هذا بتاريخ هذا اليوم مع حدثين سيُثبتان للقارئ أن إعلامنا أطرش في الزفة.
الحدث الأول والأخطر والأعمق، هو القصف الإيراني الذي طال عدة مدن في إقليم كوردستان ضمن حجة مباشرة بوجود معارضين سياسيين للحكم في إيران، وحجة غير مباشرة بالضغط على أربيل لقبول التنازلات في سياستها الواضحة ضمن العاصمة بغداد.
أما الحدث الثاني فهو المسرحية التراجيدية التي يقدمها كومبارس السياسيين في عقد جلسات لمجلس النواب لتمرير حكومات يرفضها الشعب، بل دون أية توافقات مع القوى المنافسة لهم، والذي سيذهب بالشارع العراقي نحو الفوضى والدمار.
أمام هذين الحدثين دعونا ننظر هل إعلامنا يعرف ويستطيع أن ينقل ويوضح ويستشف ويواجه ويستنكر أم أنه مجرد أطرش في الزفة، يقلد ويردد صدى المتقولين دون أن يعي أو يعرف انعكاسات مثل هذه الأحداث على مستقبل العراق ومستقبل أبناء العراق، وأن كل ما يحصل ليس سوى أحداث تدور في فلك المصالح الشخصية للسياسيين لا أكثر ولا أقل.
إعلامنا اليوم ولأنه أطرش لا يسمع أو لا يريد أن يسمع أوجد حالة من التبعية لدول الجوار، فهو اليوم محكوم ضمن قرارات سياسية، والقرارات السياسية مرتبطة بمصالح اقتصادية، والمصالح الاقتصادية تذهب لدول إقليمية، والدول الإقليمية تُنهي نزاعاتها مع معارضيها ومنافسيها وأعدائها في ملعب بعيد عن أراضيها، أي ضمن ملعب السياسة العراقية، وللمصادفة اليوم كان أعضاء مجلس النواب مجتمعين تحت قبة البرلمان وفي ذات الوقت حصل القصف الإيراني على أراضي إقليم كوردستان، فلم نسمع كلمة استنكار أو شجب.
أيها الأخوة الأعزاء لم نعد نحلم بحق الرد، ولم نعد نتصور أو نتخيل أننا قادرون على المواجهة، صارت أحلامنا هي في حفظ ماء وجهنا في أقل تقدير، صرنا نرى الاستنكار حلماً نستجديه.
فهل إلى هذا الحد صرنا مستكينين وضعفاء ومقهورين، وهل إلى هذا الحد صار إعلامنا أطرش لا يسمع ولا يعرف ترجمة ما يرى؟؟!.
فهل تَصدقُ قصيدة نزار قباني فينا حين قال:
"الحاكم يضرب بالطبلةْ، وجميع وزارت الإعلام تدق على ذات الطبلةْ، وجميع وكالات الأنباء تضخم إيقاع الطبلةْ، والصحف الكبرى والصغرى تعمل أيضاً راقصةً في ملهى تملكه الدولةْ، فلا يوجد صوتٌ في الموسيقى أردأ من صوت الدولةْ".
فمتى سيحين الموعد الذي يصير إعلامنا وبلادنا تسمع وترى وتفسر وتستنكر بل وتمنع أي تهديد يُثار ضدها، وتضع هيبتها وهيبة مواطنيها ضمن دائرة مقدسة يمنع المساس بها، متى يا ترى سنرى إعلامنا وقد تخلص من حالة الطرش هذه وصار يترجم كل الأقوال إلى أفعال.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن