Erbil 7°C السبت 23 تشرين الثاني 02:31

إعلامنا.. أفيون السلطة لتخدير الشعوب

أخطر فقدان للإحساس هو فقدان الواقع أو فقدان الإحساس بالواقع

 

قد يظن بعضهم أن هذا العنوان يحمل مغالاة في وصف واقعنا الإعلامي المتطرف، الواقع الذي يشبه إلى حدّ بعيد جرعة من أفيون الكلام والتحشيد والتصعيد، تُعطى للشعوب لتخدير عقولها وإخراجها عن طورها، فالأفيون يعمل عمله في تخدير التفكير وربما تخدير الإحساس، وأخطر فقدان للإحساس هو فقدان الواقع أو فقدان الإحساس بالواقع، فكم من مظلوم وفقير ومضطهد ومشرد ونازح يعيش فوق تراب هذا الوطن دون أي شعور أو إحساس بالواقع المرّ، بل وأصبحنا نجتهد في التعايش مع الواقع، فكلما كان الواقع أكثر مراراة كلما ذهبنا أكثر في تعايشنا اعتدنا على مرارة هذا الواقع، فحقاً الإنسان من أكثر الكائنات الحية تبدلا وتغيراً بحسب تبدل الواقع.

ومن هنا أريد أن أسلط الضوء على دور الإعلام في تخدير الشعوب، سواء أكان تخديراً من ناحية التعود على الواقع المؤلم، أو كان تخديراً في اتباع السلطة سواء أكانت سلطة فاسدة أو صالحة، بمعنى أن الإعلام أخذ دوراً خطيراً في العراق اليوم وهو دور تغييب التفكير لدى المشاهد أو المتابع وجعله أداة يتحرك وفق مصلحتها الحالية فقط.

ولربما الوقت في هذه اللحظات الحرجة اليوم مواتياً كي أتحدث عما يحدث في العاصمة الحبيبة بغداد، التي تتراوح بتحركات السياسة ما بين الضياع والفوضى.

فالأحداث الحالية ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا سلطة الإعلام الأفيوني، الإعلام الذي صار له أكثر من عدة أشهر يتبع سبل التصعيد والصياح والتجييش، وكما في قصص العرب القديمة، فإن عملية التجييش والتحريض والحض على الحرب كانت تسير وفق وسائل معينة.

إذ يتم انتداب فارس معروف بصوته المرتفع الغليظ، ثم يقوم هذا الفارس بتمزيق ملابسه ودهن جسده بدماء دجاجة، ثم يركب فرسه ويدخل على قومه صارخاً بأن جيوش العدو تقترب، وعندما يرى الناس مشهد الدم والثياب الممزقة والصوت المنكوب يسارعون بلا وعي منهم لحمل السلاح ودخول معركة لربما كانت ستُحل بالحوار أو بمبارزة الفرسان فقط.

ورحم الله أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام حين قال: "أشجع الناس من غلب هواه، وانتصر عليه".

لكن ما أشبه جاهلية اليوم بجاهلية الأمس جاهلية التحريض الأعلامي الأعمى الذي لا يجر إلا إلى الفوضى والحروب الشعبية، أما مبارزة الفرسان فلماذا لم نعد نراها، لماذا تترفع أقطاب المشكلة وأقطاب السياسية من التبارز فيما بينهم فمن ينتصر يحسم نتيجة المعركة، لماذا دائماً ما تتناسى السلطة شعوبها وحقوق هذا الشعب، ولا يستذكرون الشعوب إلا حين تتعارض المصالح والمطالب.

إعلامنا أيها الأخوة الأكارم هو اليوم أفيون السلطة لتخدير عقول شعوبها، وجعل هذا الشعب من خلال التحريض أداة تفاعل في الشارع السياسي.


واعذروني إذا ما استحضرت قول الثائر "تشي جيفارا" الذي قال: عندما تتبول السلطات على الشعوب يأتي دور الإعلام ليقنعهم أنها تمطر.


عبارة بليغة تحاكي واقعنا اليوم وتحاكي دور الإعلام التصعيدي في صناعة دعاية حكومية لمناصرة جهة على حساب جهة أخرى، ولقد أصبحت قوى الفساد والاستبداد بارعة كل البراعة في استعمال ما تملك من أدوات وأموال خاصة إبان الحملات الانتخابية تحت ستار حرية التعبير، لتضليل الشعب ودفعه نحو مزيد من الحيرة والتخبط، إعلامنا اليوم بحاجة إلى البوصلة التي فقدها، فبدون هذه البوصلة سيبقى الشعب مُخدراً بأفيون السلطة وعاجزاً عن تبيان طريق خلاصه، أما إذا ما عدنا إلى بوصلتنا وإلى إعلامنا المتزن والقوي في الوقت ذاته، فإننا سنعرف كيف نتجاوز المحن العاتية التي تعصف بنا كل حين.

الأخبار

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.