لم يعرف العراق الشهادات المزورة حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي، لكن الأوضاع الشاذة التي مرت بها البلاد انعكست سلباً على مجمل المجتمع ومفاصله، سيما بعد أن استلم الفاسدون مسؤولية إدارة مؤسسات الدولة ومهدوا الطريق لاصحاب الشهادات المزورة.
عام 1992 افتتح في بغداد وعدد من المحافظات العشرات من مكاتب طبع الرسائل الجامعية، بعضها أخذ يقوم سرا بتقديم شهادات الماجستير والدكتوراه حسب الطلب.
الكارثة كانت بعد العام 2003، عندما بدأت ظاهرة الشهادات المزورة باجتياح المجتمع العراقي، وبدأت معها المهزلة التي نعيشها اليوم.
بدءاً لنلقي نظرة على هذه المعلومات المصدقة من جهات رسمية عبر وسائل الاعلام أو إحصائيات رسمية.
هيئة النزاهة العراقية أعلنت لوسائل الإعلام عن اكتشافها 300 شهادة مزورة لمرشحين في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009، وحوالي 500 شهادة مزورة لمرشحين للانتخابات النيابية لعام 2010، ومثلها للانتخابات النيابية 2014.
كما أن هيئة النزاهة كشفت عن أكثر من عشرة آلاف شهادة مزورة أخرى صادرة عن الجامعات والكليات العراقية.
وفي آذار 2011 كشفت لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي عن وجود 20 ألف شهادة دراسية مزورة لموظفين يعملون في مؤسسات الحكومة.
وتم تقدير عدد أصحاب الشهادات المزورة في عراق مابعد 2003 بأكثر من (86) ألف مزور بينهم من تبوأ مناصب حساسة وموظفين دولة وإعلاميين.
في أحدث فضيحة تزوير للشهادات كشفت صحيفة "كلواذا" للدراسات عام 2021 عن قيام ثلاث جامعات لبنانية ببيع 27 ألف شهادة مزورة لطلاب عراقيين عاديين أو مسؤولين وأبنائهم
على إثر هذه الفضيحة قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية تعليق دراسة العراقيين في ثلاث جامعات لبنانية هي الجامعة الحديثة للادارة والعلوم والجامعة الإسلامية في لبنان وجامعة الجنان.
وبعد أن تغلغل أصحاب الشهادات العليا المزورة في مفاصل الدولة وأجهزة الإعلام أصابت الحكومة العجز التام وعجزت عن إصدار قانون يقضي بمعاقبة المزورين وعوضا عن ذلك تم التوجيه بعدم تُفعٍل قانون اعتبار التزوير جريمة مخلة بالشرف.. بل دعت الحكومة إلى التريث في محاسبتهم.. وعدم معاقبة حملة الشهادات المزورة، يا لها من مهزلة.
أنا على يقين لو عاش علي الوردي الى يومنا هذا لقام بتغيير فحوى مهزلة العقل البشري إلى مهزلة التزوير البشري.
أتساءل ماذا كان سيفعل الوردي إذا ما شاهد المزورين كيف يحكمون ولايحاكمون وكيف يتقلدون المناصب ويَحرِمونَ الكفاءات من استحقاقاتهم وكيف يرسم الجهلة مستقبل الأجيال ويقودون البلاد ويعفون عن المجرمين وتجار المخدرات ويبيعون أجزاء العراق في سوق الخردة الإقليمية؟
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن