د. سعد الهموندي
الحرب أسوأ خيار، والأسوأ من ذلك الاستسلام؛ عبارة تُظهر ومن بدايتها الفرق بين الزعيم الحقيقي لأمة ما، وبين السياسي الطارئ الذي يتماوج ويترنح في قراراته أو بياناته مُغلبا مصلحته الشخصية على مصلحة بلده ووطنه وشعبه.
الزعيم مسعود بارزاني وفي عبارته هذه تجاوز أعمق عبارات الحوار والسلم والسلام، فلا يظنن أحدكم أنها تدق ناقوس خطر، أو أنها تقرع طبول حرب، بل على العكس تماماً، إنها عبارة تحمل في طياتها أوسع وأعمق عبارات السلام، فالحرب هي خيار سيء نعم، لكن الاستسلام يعني ما هو أسوأ بكثير من خيار الحرب، فالزعيم هنا يعي تماماً ما يقول بأن الحرب هي حرب سياسية، حوارية كلامية، إقناعية، من بدايتها حتى نهايتها، فأربيل كانت ومازالت معقل السلام والأمن والأمان، ولا ننكر أن من يريد من بلاده أن تكون مسلحة بالسلام والآمان عليه أن يحمل بيده الأولى معول العمل والإصلاح والسلام، وبيده الثانية سلاح الحرب للدفاع عن النفس، وفي لسانه وقلبه وعقله حجة الإقناع والبرهان.
فالحق يحتاج لقوة ولزند متين يدافع عنه، ومخطئ من يظن أن الحق يدافع عن ذاته بذاته، فللحق رجال يدافعون عنه، وكما قيل: الحَقُّ أَبْلَجُ والبَاطِلُ لَجْلَجٌ.
ولنعد هنا إلى الكلمة الجوهرية التي أكدها المرجع مسعود بارزاني بأن الأسوأ من الحرب هو الاستسلام، لنرى هنا أن كل شيء قد تفعله الحروب وغيرها في زمن السلم، هو أن تفرق بين الزعيم الحقيقي والآخر الطارئ على السياسية والقيادة، فكل شيء يجري بروتين وسلاسة، فالأمن مستتب، والاقتصاد مزدهر، والناس يعيشون قانعين في سترٍ وسلامة، في زمن الأزمات يتم الحكم على نجاح حكمة الزعماء، وهل يستطيع الزعيم أن يصل كقبطان بسفينته إلى بر الأمان، خاصة وأننا اعتدنا على الأزمات المتلاحقة والمتتالية، ولكننا وفي كل مرة نخرج من هذه الأزمات أقوى من ذي قبل، لكن على ما يبدو أن هناك كثيرين لا يقرأون التاريخ كما يجب، ويراهنون في كل مرة على سقوطنا أو انحدارنا أو على أقل تقدير يراهنون على استسلامنا.
مسعود بارزاني وفي عبارته هذه يبرز مجدداً على أنه داعية سلام وليس داعية حرب، وأنه يكره الحرب ويمقتها، لكنها تبقى في قاموسه.
أما الاستسلام فهو الأسوأ وهي العبارات التي لم تدخل يوماً في قاموسه كزعيم ينحدر من سلالة زعامات تاريخية دافعت وحمت وحضنت الشعوب المضطهدة، وهنا لا أقول إن الشعوب التي دافعت عنها هذه السلالة هي القومية الكوردية فقط، بل كثيرة هي القوميات والأقليات والطوائف والأديان التي دافعت عنها هذه السلالة النضالية المُشرّفة، والتي لم تعرف يوماً الاستسلام، بل عرفت أن السلام هو الطريق الوحيد الذي يصل بالإنسانية إلى برّ الأمان، مع عدم استبعاد أن هذا الطريق قد يمرّ بظروف تتطلب الحرب والسلاح والقتال، ونحن لها، سواء كانت الحرب سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو حتى إعلامية.
الحرب تنتهي وتموت، الحرب لها توقيت زمني تبدأ منه وتنتهي فيه، أما السلام فهو الأصل وهو القاعدة التي يجب أن ننادي بها جميعاً.
وهكذا في كل مرة، وفي زمن وأوقات الملمات تظهر لنا معادن وأصول الرجال، والتي من خلالها نعرف كيف نُميز بين حنكة القائد في اتخاذ القرار الصائب الذي ينقذ البلاد.
وأخيراً أُعيد وأؤكد أن عبارة الزعيم مسعود بارزاني "الحرب أسوأ خيار، والأسوأ من ذلك الاستسلام" ورغم أنها لا تحوي على كلمة سلام، إلا أنها السلام بعينه، فالسلام أرض ناصعة البياض، تحميها جدران صلبة عالية تسمى الحرب، التي قد تكون إحدى الخيارات في يوم ما من أجل إبقاء أرض السلام بيضاء، وما الاستسلام إلا ثغرة سوداء في جدار الحرب تفتح باباً نحو العبودية والخنوع والموت باباً يمحي البياض من أرض السلام ليذوب فوقه سواد قاتم وظلم قاتل.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن