المكيافيلية نظرية أو مبدأ تبناه المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي نيكولو مكيافيلي في القرن السادس عشر، حيث يعتقد أن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أياً كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط، وباختصار كان هذا المبدأ الأساس الذي بنيت عليه فكرة الغاية تبرر الوسيلة التي أصبحت لدى الكثير من النظم السياسية وأدواتها من الأحزاب والأفراد نهجاً وقاعدة للتسلق واستجداء الشرعية عبر سلوك إعلامي ودعائي أقل ما يقال عنه إنه مكيافيلي لا يهمه في تحقيق أهدافه انتهاج أي وسيلة من الوسائل مهما كانت في طبيعتها عدائية أو شوفينية أو كارثية كما حصل في مراحل كثيرة من تاريخ البشرية القديم والحديث، حيث أدت إلى مآسٍ كبيرة عانت منها شعوب وأقوام وتسببت في حروب مدمرة كان آخرها تلك الحروب التي اشتعلت بين إسرائيل والدول العربية، وبين العراق وإيران، وبين العراق والكويت، ومن ثم بين العالم أجمع، ناهيك عن الحروب البينية التي راح ضحيتها الملايين من البشر، إضافة إلى تدمير البيئة والمدن والبنى التحتية لتلك الدول المتحاربة على خلفية الكراهية الدينية أو العرقية وأطماع المتشددين فيهما.
لقد اعتقد كثير من الناس أن تلك الحروب الكونية الرهيبة بين ألمانيا والعالم والتي دفعت الولايات المتحدة في الثانية منها إلى استخدام سلاحها القذر في اليابان، ستكون آخر الحروب التي كثفت ثقافة العرق السامي أو الراقي الذي تبنته منظومة التفكير لدى النخب الألمانية النازية والإيطالية الفاشية، وانتقل فيروسه إلى حركات وأحزاب عنصرية حكمت بعض دول الشرق الأوسط ولا تزال تنفث سمومها حوله أينما تواجدت أو صادفت بيئة مناسبة لنموها وتكاثرها باستخدام القومية العنصرية أو التطرف الديني أو الطائفية المقيتة، كما يحصل اليوم في العراق واليمن وسوريا وليبيا باستغلال قطار الديمقراطية، في غياب قانون أو تشريع يمنع تلك الثقافة ويعتبرها جريمة دولية ضد الإنسانية جمعاء، كما حصل في معظم دول أوروبا بعد سقوط النازية والفاشية.
ففي الشرق الأوسط كان أخطر ما استخدمته الماكينة الإعلامية الإسرائيلية في استعطاف الرأي العام الدولي وبالذات الأوروبي والأميركي، هو اتهام العرب والفلسطينيين بمعاداة العنصر السامي رغم انتمائهما لهذا العنصر، بمعنى معاداة الإسرائيليين واليهود بشكل خاص والادعاء بأن العرب والفلسطينيين ينوون إبادة هذا العنصر وهذا الدين، مدعية أنها تمثل السامية وحدها دون العرب، واستطاعت عبر حقبة طويلة وبغياب إعلام عربي مهني أن تقنع الرأي العام الأوروبي والأميركي بفكرة معاداة السامية التي ينتهجها العرب وكل من يساندهم ضد الإسرائيليين؛ وبذلك كانت تهيئ دوماً أرضية خصبة لأي عملية عسكرية واسعة أو مخابراتية تقوم بها ضد الفلسطينيين أو الدول العربية بما يحقق لها نصراً إعلامياً وتعاطفاً دولياً!
ومثل ذلك فعلته أجهزة الدعاية الأميركية عموماً بعد سقوط ألمانيا الهتلرية وبدء الحرب الباردة والصراع الخفي بين الأميركيين والغرب من جهة والاتحاد السوفياتي ومجموعته الشرقية من جهة أخرى، فيما عرف بسياسة معاداة الشيوعية طيلة حقبة الحرب الباردة والتي اعتبرت فيها الشيوعية كفراً وإلحاداً وفكراً تدميرياً للمجتمعات وأخلاقياتها وعاداتها وتقاليد الأديان الشرقية والإسلامية تحديداً، متعكزين على إثارة الرأي العام الديني لدى المسلمين بالذات حول الأحزاب الشيوعية والاشتراكية ونظريات الفكر الماركسي حول الوجود والأديان والطبقات الاجتماعية والنظام القبلي ورموزه، مستغلين ظاهرة التشدد والتطرف الديني والقومي في تمرير ذلك النهج، وبمساعدة أجهزة الدعاية الموجهة، الأميركية والأوروبية في تلك الحقبة من الصراع مع السوفيات، خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل مع قضية المكونات المختلفة عرقياً أو دينياً في كثير من البلدان. من خلال معاداتها العنصرية لتلك المكونات والعمل وفق برامج منظمة لإذابتها واحتوائها ضمن بوتقة القومية الكبرى من خلال مجموعة من القوانين وبرامج الإذابة التي تمنع تداول اللغة واستخدام الأسماء والفلكلور وما سمي بتصحيح القومية والترحيل والتوطين والمستوطنات وأحزمة الحدود القومية، ما أنتج ردود أفعال حادة لدى تلك المكونات أدت إلى حدوث حروب قاسية وتناحرات بينية كارثية تداعت بسببها تلك الدول والأنظمة، وجاء ما يسمى الربيع العربي ليزيد من تطبيقات تلك النظرية للوصول إلى السلطة والتناحر من أجلها، حتى غدت تلك الدول ساحات حرب داخلية وإقليمية بالنيابة.
ولعل أحدث استخدامات الميكافيلية اليوم تظهر جلية كوسيلة للبقاء في السلطة هي اعتمادها الآيديولوجيا الدينية والمذهبية المتطرفة منطلقاً ووسيلة تمنحها شرعية البقاء في أعلى هرم السلطة بعد أن نجحت باختراق التيارات القومية واستبدالها بمحركات دينية ذات دفع عاطفي وآيديولوجي أكثر متانة واندفاعاً من التنظيرات القومية، وخير نموذج لتلك الميكافيلية الحديثة ما تستخدمه المنظمات الدينية المتطرفة (القاعدة وملحقاتها وتنظيم الدولة وأفرعه) والميليشيات الولائية التي تقوقعت ضمن المذهب على الطريقة الإيرانية مستخدمة شعارات الطريق إلى القدس الذي يمر عبر عواصم ما يسمى «الهلال الشيعي» والمجال الحيوي الإيراني، ويعمل على ديمومة وتمدد مشروع الثورة الإيرانية بما يعزز توسع فكرة الإمبراطورية الإيرانية، باستخدام الدين والمذهب بعد أن فشل التيار القومي الفارسي في احتواء المنطقة، وذلك بالاعتماد على توجهين؛ الأول استخدام القوة العسكرية والتداخلات الجراحية في كل من العراق واليمن ولبنان وسوريا وقطاع غزة ومحاولة التمدد في الخليج، والثاني باستخدام التشيع في كثير من البلدان خصوصاً في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وبعض الدول الأوروبية في أوساط الجاليات الإسلامية.
إنها حقبة جديدة بثوب قديم، هتلرية مجملة بثوب عقائدي متطرف!
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن