Erbil 13°C الجمعة 22 تشرين الثاني 21:31

أذرع الأخطبوط والإزاحة السياسية الناعمة !؟

"الإزاحة السياسية الناعمة من تؤمن بصناديق الاقتراع والتي لا تستخدم فيها الضوضاء الإعلامية"

من يراجع التاريخ منذ أحداث عام ١٩٠٠ ميلادية ويطلع عليها عن كثب سيرى بالعين المجردة شواهد عديدة تثبت دور الاقطاب المتصارعة ومخابرات الدول العظمى في قلب أنظمة الحكم في أية دولة من دول العالم باستخدام سياسة "تشابك أذرع الأخطبوط" وبطرق ديمقراطية غير كلاسيكية لا تستفز أحدا ولا تخلق زوابع سياسية تثير الجدل وهذا ما تعمد إليه دوماً الإدارة الأميركية في تصفية الخصوم الدوليين باستراتيجيات تتناسب طردياً مع خلق وإدارة وحل الأزمات التي تؤدي بدورها إلى هزات ارتدادية سياسية لها دور فاعل في زعزعة أمن واستقرار الدول المستضعفة أو حتى القوية منها، ومثال على ذلك مساهمتها في تفكيك الاتحاد السوفيتي مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية لدى الأخيرة لرفع تكلفة استكشاف الفضاء وسباق التسلح بين القطبين الذي بدأت ذروته بين مطلع عام ١٩٥٣ وحتى عام ١٩٥٩، بل الأدهى من ذلك الحياكة المحبكة والدقيقة لإسقاط حكومة رئيس غواتيمالا " جاكوب أربنيز" في عام ١٩٥٤ من خلال عملية انقلاب نوعية ومدعومة من قبل CIA الأميركية.

الطريقة الأميركية لتغيير نظام الحكم في العراق بعد عام ٢٠٠٣ تختلف جذرياً عن جميع الأمثلة السابقة لأن الإرادة الدولية كانت منقسمة كلياً على نفسها ولم يكن قرارا موحدا كما كان في قرار غزو العراق للكويت والدليل انفراد الإدارة الأميركية بقرار الاحتلال بهدف تدمير أسلحة الدمار الشامل التي فشلت في إيجاده او العثور على شيء يتعلق به فتغيرت النبرة آنذاك إلى تصدير الديموقراطية لمنطقة الشرق الأوسط وتخليص العراق من الحكم الديكتاتوري ليكون إنموذجا يحتذي به من بقية الدول المجاورة له، مما أثار حفيظتهم وانزعاجهم على اعتبار أن ذلك يهدد وجود تلك الأنظمة الشمولية التي هي مشابهة الى حد ما للنظام السياسي لدينا قبل عام ٢٠٠٣.

فأذا اردنا أن نصنف الديمقراطية لدينا سنجد أن هنالك اختلافاً كلياً عن بقية الديمقراطيات الأخرى لإنها نتاج لإرادة دولية وأميركية لم يتم دراسة أبعادها وحيثيات وآلية دخولها وقبولها والتثقيف لأجل تطبيقها بصورة تدريجية لكي لاتحدث شرخاً مجتمعياً في حال كان هنالك سوء في التخطيط لذلك كان وقع الصدمة Shock time لدينا ليس له لون ولا طعم ولا رائحة.

 بل حتى شكل وعنوان النظام السياسي لا احد يستطيع ان يعطي له وصفا حقيقيا ومنطقيا ودقيقا يبرز الهوية الحقيقية للدولة أمام المجتمع الدولي، لان الديمقراطية مازالت مبهمة ذات لون رمادي ممزوج مابين الإسلامية والليبرالية والعلمانية والتي لاتنسجم كلياً مع طبيعة مجتمعية ذات ألوان فسيفسائية تؤمن بالهوية الوطنية بعنوانها الرئيس وليس الفرعي ولاتؤمن بالانشطار الأميبي الذي قد يعصف بالتعايش السلمي كما حدث في راوندا في عام ١٩٩٣ بسبب التناحر مابين قبائل التوتسي الهوتو.

ومن جانب آخر قد تتحول بعض الأنظمة الديمقراطية الى انظمة دكتاتورية بصورة تدريجية أو العكس عندما تستشعر بأنها أوشكت على خسارة السلطة أو قد تكون في موقف ضعيف أمام المتغيرات الجديدة لتستغل الجهة الجديدة إنقاذ الاخفاقات التي سبقتها أو الأخطاء التي أورثت لها لأجل سحب البساط من تحت الخصوم السياسيين وإبعادهم عن مراكز صنع القرار بصورة تامة .

مازالت بعض الدول تؤمن بعقلية الانقلابات العسكرية الفارغة لسرعتها في تحقيق الأهداف المرجوة عند الإقدام على محاولة تغيير أي نظام حكم لايؤمن بالتداول السلمي للسلطة، بإعتباره أسهل الطرق للعبور إلى واقع جديد قد يكون مجهولاً بلاشك لكنه يكون أفضل حال من السابق حسب اعتقادهم ، وخصوصاً اذا كانت تلك الدول تعاني من أنظمة الحكم الدكتاتورية المتوارثة أو حتى الوراثة الملكية والسبب في ذلك أن الديمقراطية لديهم لم يكن لها موطئ قدم أو اسسا والشعب مُغيب تماماً وليس له دور كمصدر أساس للسلطات ولم يكن مشاركا حقيقيا في صناعة القرار.

الكثير من السياسيين ممتعض من شكل النظام السياسي في العراق بل أغلب الطبقة السياسية القابضة على السلطة أصبحت تدرك بأن المحاصصة هي فخ وكذبة كبيرة قد أوقعتهم بها الارادات الدولية والإقليمية وأصبحوا في مأزق حقيقي من حيث يشعرون ومن حيث لايشعرون بل إن أقدامهم اصبحت في حقل الغام ليس لهم القدرة على التراجع وليس لهم الأقدام على الاستمرار إلا بوجود حل واحد وهو الإيمان بالانفتاح والتجديد وإعادة التقييم لإدخال لون مغاير يمتزج مع الفضاء الوطني الجامع لجميع طبقات المجتمع، على اعتبار ان الدول الإقليمية بعد عام ٢٠٠٣ اجمعت على أن يكون العراق بلداً موحداً ولكن ضعيفا لكي يسهل ابتلاعه لتنفيذ الاجندات الخارجية فيه أفضل من أن يكون بلداً صغيراً وقويا يستطيع ان يعيد دوره الحقيقي ومكانته الريادية في صدارة النفوذ العربي والإقليمي .

على الرغم من الاخفاقات والفشل والفساد الذي فتك وفتت البنية الفوقية وضرب عمق النظام السياسي والاجتماعي إلا إنه من الإنصاف إعطاء نظرة تفاؤل بالمستقبل المقبل لان الديمقراطية لدينا رغم انها مازالت تأن من روماتيزم وإصابتها أوجاع في مفاصلها وتصلب في شرايين تطبيقاتها إلا انني بقرارة نفسي استطيع وصفها بأنها من أفضل الديمقراطيات الموجودة في المنطقة والدليل أن مذاق الشارع اليوم اختلف عن ما كان عليه قبل أكثر من ١٥ سنة فاصبح يدرك بأنه قادر على التغيير وإزاحة وجوه سياسية بطريقة متحضرة وديمقراطية بعيداً عن اثارة العنف والكراهية ،وما دخول المستقلين وبعض التيارات الجديدة في الانتخابات الأخيرة إلا بارقة أمل لبذرة ستحصد نتاجها الأجيال المقبل بطريقة الإزاحة السياسية الناعمة لإحداث تغيير حقيقي في المستقبل التي تعتبر من أكثر الانتخابات اختلافاً بالرغم من الاشكاليات وانخفاض نسبة المشاركة لكنها افرزت لنا دخول وجوه جديدة قد تؤسس لنواة حقيقية تسهم في تفعيل المعارضة السياسية تحت قبة البرلمان إذا توفرت النوايا الصادقة لخلق إرادة سياسية مؤمنة بالمواطنة.

العراق

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.