عدت قبل أيام من زيارة إلى أربيل، وكانت آخر زيارة للمدينة تمت قبل سنتين.. وقد دهشتُ للفارق الإيجابي بين الزيارتين، فمساحة الإعمار اتسعت، وتجميل المدينة زاد ابهاراً وكأنك في مدينة خليجية أو أوروبية، فشوارعها التي تشبه مدرجات مطار حديث في سلاستها، وأنظمة المرور غاية في الانسيابية، مجسرات وأنفاق تحدت جلمود صخر الجبال، جعلت من المدينة وأقضيتها وحدة مترابطة ضمن شبكة مواصلات رائدة في التنظيم.
لن أحسد اصدقائي في أربيل، على ما لمسته من تطور، لكني أرثي حال محافظات أخرى في وطني، زادت فقراً وخراباً.. وصح القول: توجد مدن نسكنها، وأخرى تسكننا.. ومثال ذلك، وجدتُ في مدينة أربيل كثافة سكانية وحركة دائبة، لكني لم أسمع ضجيجاً وإزعاجاً مرورياً، ولمستُ نظافة رائعة في الشوارع، فقلت في نفسي: "لو قامت كل أسرة بالتنظيف حول بيتها، لأصبحت كل مدن العراق نظيفة"، وذلك يعد من أهم المظاهر الراقية، فالحركة الفاعلة في الحياة والبناء، إلى جانب نعمة الهدوء، إحدى سمات الحياة في مدينة فيها هندسة التناسق، ودقة التنظيم.
لقد أصبحت معظم محافظات الوسط والجنوب، مدننا غير التي نتمناها، بعد أن خبأ ضياء شمس فيها، وسط زئير البطالة وصراعات أخوة السياسة، حتى ضاعت أمام أعين مواطنيها نجوم المستقبل، وراء أفق مزروع في سراب المخيلة.. لقد انطفأ الحلم في وجدانهم.
بلا شك، هناك جمال يضج بالحياة وجمال بارد باهت لا روح فيه، وكلاهما جمال، الفرق ليس في التفاصيل والملامح، ولكن في الأثر الذي يتركه هذا الجمال أو ذاك على نفوس وقلوب من يراه..هكذا هي المدن، جمالها يتمثل في الصخب الحياتي الذي تعيشه، فيبعث الأمل في النفوس والتطلع إلى الإمام، بدلا من العبوس والنظر إلى الخلف.
إن الصخب يعني الحياة، وعدم الخوف يعني الفرح، الغناء، الضحك، الموسيقى، إنه روح المدن، فما من مدينة تمشي في أزقتها وتعبر شوارعها وتحدث ساكنيها إلا ويبدو واقعها شامخاً من خلال ذلك كله.
قضيت ساعات لن تنسى في ليلة رأس السنة، تجولت مع الأصدقاء في برد قارص في شوارع أربيل التي لم تنم، كان جمال الغيوم وهي تناغم السماء من أجمل ما يكون، حتى طائر النورس لاحظته مرحباً بقدوم زائري أربيل، مبتهجاً بما يراه، لقد شاركت عوائل المدينة وأفواج السياح الفرح والسعادة والضحك بميلاد سنة جديدة، وإنهاء سنة من أعمارنا!
مبارك السنة الجديدة، مع الأمل بأن تكون فاتحة خير وسرور على الجميع.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن