ربما كان السيد تشارلز داروين* (رحمهُ الله وغفرَ له) محقاً إلى حدٍ ما في إرجاع أصل الأنواع لدى بعض الأحياء إلى القرود، وربما أيضا، لو أمد الله في عمره حتى يدرك أصل بعض الكائنات الأخرى وخاصة السياسية منها التي نشأت في خضم الربيع العربي وبعد 2003 حصريا، لاكتشف أصولاً غير القرود ينتمي لها هذا البعض الآخر.
ويقينا فأن المرحوم تشارلس دارون كان يعني ما يعنيه من سلوكيات وظواهر سيكولوجية و(إفتراسية) أكثر مما يعنيه في التطور العضوي (Organic evolution )، ولو كان الله قد أطال بعمره حتى يومنا هذا، وأدرك الكيانات التي تأسست برغبة كل من بريطانيا وتركيا وحلفائهما بين شواطئ البحر المتوسط والخليج، لاكتشف إن كثير من الكائنات العاقلة بين الساحلين قد تطورت من الضفادع سلوكيا، لما تمتاز به هذه المخلوقات العاقلة من صفات متطابقة مع أصولها غير العاقلة، حيثُ تطور النقيق في الجيل الأكثر رقياً إلى ثرثرة غير متناهية في الشعارات والتحليلات المؤدلجة لمعاناة الأمة وقدرها في الوحدة والتحرر وإنقاذ البشرية من الأفكار (الإمبريالية والشيوعية والخمينية والشعوبية...) والى آخر هذه السلسلة التي لا تنتهي من الأعداء المفترضين للأمة والوطن والثورة والسيادة ووالخ!.
وفي اللعب على الاتجاهين (اليمين واليسار) نرى ان التكيف لدى هذه الكائنات السياسية يأخذ نمطاً آخراً يَطلقُ عليه أتباع السيد دارون بالتكيف البعدي Postadaptation))، إذ تحاول الكائنات أن تتكيف للبيئة التي تعيش فيها بأفضل صورة دونما تأثير على أصل الأنواع، وكان هذا جليا في التكيف والتحول ما بعد 2003 لكثير من اتباع تلك الكائنات التي نجحت بالانتقال السلس للمرحلة الجديدة ومستلزماتها في الأداء والشعارات، خاصة وان (القائد الضرورة) قد انت مجموعة قوانين تساعد على التحول السريع فقد اتخذ (مجلس قيادة الثورة) قراراً أعتبر بموجبه كافة سكان مملكته (وإن لم ينتمو) من نفس الأنساب والأصول، ومن يشك في ذلك (من القوميات والأعراق الأخرى) فما عليه إلا مراجعة مسؤول أختام الأنساب والأصول في ديوان الرئاسة الموقر، كي يجد لأبيه مكانا (فوق الشجرة) وبذلك أصبح لدينا خلال أقل من نصف قرن جيوشا جرارة من الحرس القومي والجيش الشعبي وجيش القدس والتي تطورت هي الأخرى بقفزات نوعية إلى منظمات وميليشيات وحشود تعج بها سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن.
لو أدرك السيد تشارلز داروين (غفر الله ذنبه) البعض الآخر بعد سقوط دولة النقيق، لأكتشف أصولا وأنسابا أخرى غير القرود والضفادع، فقد دلت السنوات الثماني عشر المنصرمة على وجود علاقة سلوكية وسيكولوجية بين كثير ممن شغلوا مواقع الكائنات السابقة وبين كائنات أخرى مثل الذئاب والثعالب والحيتان، وما أدراك ما الحيتان، تلك وربُ العرش العظيم؛ أكبرُ من كل مصائبنا منذ مذبحة الحسين ومحرقة حلبجة حتى غزوة سنجار، حيث تطورت طفيليات بدائية لا تكاد ترى بالعين المجردة، خلال بضع سنوات إلى حيتان مفترسة، تأكل الأخضر واليابس، الحلال والحرام، دونما صوت أو حركة، والمذهلُ في تطورها السريع هذا وهي تلتهم حولها كل شيء، إنها لا تستخدم أي سلاح في الالتهام سوى أنها توقف نمو وتطور كل الأشياء فيما حولها، عكس ما تفعله النماذج المطورة من الثعالب، حيث التحايل والتملق والتدليس والنعومة والتخصص في علم (من أين يؤكل الكتف) وكيف تضربُ (البواري)، أو ربما تختلف كثيرا عن تلك الأجيال المعدلة عن الذئاب، فالذئب يقتل كي يأكل وهؤلاء يقتلون على الهوية لمجرد القتل ليس إلا، ربما هي (أنيفالات) مصغرة تمتد في أصولها إلى اولئك الوحوش؟.
والغريبُ إن هذه الأنماط من السلوكيات تتعايش سلميا مع بعضها البعض رغم اختلاف أصول تطورها والبون الشاسع بين ما كانت فيه وما أصبحت عليه، ربما يكون جورج اورويل محقا بطروحاته في روايته (مملكة الحيوان) حينما إنقلبت الصفات المتأصلة على المكتسبة وكان ما كان؟
أعتقد والعلم عند الله أن مستر تشارلز داروين لو كان قد أدرك هذه الأيام لأعاد النظر في آرائه وأيقن إننا أولاد آدم مخلوقين من تراب، وإن بقية الكائنات هي التي تطورت من بعضنا وليس العكس كما كان يعتقد!
*تشارلز روبرت داروين (1809- 1882) عالم الطبيعة والبيولوجيا الذي اشتهر بنظريته حول التطور والانتقاء الطبيعي.
*چورچ اورويل كان كاتب روايات بريطاني اسمه بالميلاد إريك آرثر بلير تولد يوم 25 تموز سنة 1903 ومات يوم 1 كانون الثاني سنة 1950.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن