زاكروس عربية- أربيل
معظم حركات التحرر الوطني في القرن العشرين خاضت نزاعات مسلحة من أجل نيل استقلالها الوطني، إما مع الدول التي صادرت حقوقها القومية، أو مع دول الاحتلال، وكلاهما سيان في نظر تلك الحركات التحررية من حيث الهدف والنتيجة .
والحركة التحررية الكوردستانية هي الأعرق والأكثر نضالا وكفاحا على مدى القرن العشرين وحتى يومنا هذا، أغلب حركات التحرر الوطني قد نالت استقلالها وحصلت على هويتها القومية عن طريق تحرير أراضيها من براثن الاحتلال الحكومي أو الأجنبي .
وتقف قوات البيشمركة على رأس تلك الحركات حين تشكلت كجماعات مسلحة في عشرينات القرن الماضي، ولم تظهر علنا كقوات نظامية إلا عام 1946 بزعامة الجنرال الملا مصطفي بارزاني، وهو المؤسس لهذه القوات المسلحة، حينما شكل الجيش العقائدي لجمهورية مهاباد التي أسسها القاضي محمد، في الشمال الغربي من إيران في نفس العام، وأصبح الجنرال الملا مصطفى بارزاني رئيسا لأركان الجيش .
من هذا التاريخ بدأت قوات البيشمركة رحلتها النضالية، تعني كلمة البيشمركة وفق اللغة الكوردستانية ( الإنسان الذي يعمل بنكران الذات مضحيا بحياته وكل ما يملك من أجل تحقيق أهداف أمته وتحرير كوردستان ) .
وكانت قوات البيشمركة بحق اليد الضاربة لحركة التحرر الوطني الكوردستانية منذ عشرينات القرن الماضي، حينما كانت عبارة عن جماعات مسلحة لقد شاركت في معظم الثورات والمعارك شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء .
شعب كوردستان يكافح لأجل إقامة دولته المستقلة والتخلص من تبيعته للأنظمة العنصرية القمعية، هذه التبعية فرضتها أجندات خارجية ومصالح دولية خلافا لمبادئ القانون الدولي، الذي أنصف الكورد وغيرهم من الشعوب المستضعفة الراضخة تحت نير الظلم والعبودية التي تمارسها الأنظمة المستبدة والهاضمة للحقوق.
من هذا المنطلق أصبحت الحاجة إلى القوات العسكرية المسلحة المدربة تدريبا عاليا، ومسلحة بأحدث الأسلحة المتطورة من ضرورات النضال تحقيقا لأهداف الشعب الكبرى، فالبيشمركة قوات عسكرية عقائدية تطبق معايير القانون الدولي وقت السلم والحرب والأكثر انضباطا من باقي القوات التابعة لحركات التحرر العالمية، شاهدنا في عام 1991 كيف تعاملت مع فيلقين من الجيش العراقي استسلما لها في المعارك وطبقت معايير اتفاقية جنيف والقانون الدولي في التعامل مع أسرى الحروب وسمحت لهم بالعودة إلى عوائلهم دون إساءة لأي عنصر من هذين الفيلقين، وكذلك تعاملت في نفس الانضباط وفق القانون الدولي مع اسرى عصابات داعش الإرهابية لم تستخدم اية وسيلة تخالف القانون الدولي واحالتهم الى القضاء وفق الأصول القانونية، وقد خاضت معارك طاحنة عبر السبعة عقود التي خلت، فدورها مفصليا في نضال عموم الكورد ضمن الأجزاء الأربعة لكوردستان وتحمل شارة قدسية من الكوردستانيين، نتيجة تضحياتها الجسام في الأرواح وإصرارها على تحقيق طموحات شعب كوردستان مهما كانت التضحيات .
تتحلى قوات البيشمركة بالشجاعة الفائقة والانضباط العالي والإيمان المطلق بالعقيدة العسكرية التي سخرت من أجلها، خاضت قوات البيشمركة معارك ضارية ضد معظم الأنظمة العراقية المتعاقبة منذ ظهورها الأول بقيادة الجنرال الملا مصطفى بارزاني، وكان لها دورا محوريا قبل هذا التاريخ وتحديدا بداية القرن العشرين حينما كانت عبارة عن جماعات مسلحة صغيرة، وقد خاضت معارك طاحنة ضد عصابات داعش الإرهابية بعد عام 2014 وتمكنت من الدفاع عن الاراضي الكوردستانية وحررت مدينة شنكال أيضا، شاركت قوات التحالف الدولي في هذه المعارك ضد الإرهاب، وقدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى في هذه المعارك.
تتمتع قوات البيشمركة بسمعة عالمية مرموقة حين تعاملت معها معظم الدول الكبرى، ووقعت اتفاقيات ثنائية دولية مع هذه الدول خصوصا الأوربية وأميركا وحظيت بالدعم العسكري والتدريب والمعونات المالية من تلك الدول، فأن مركزها القانوني الدولي بات واضحا لا غبار عليه من خلال التعامل المباشر معها من الدول الكبرى، وتوقيع الاتفاقيات ذات الطابع الدولي التي تخضع إلى أحكام القانون الدولي، وقد أجرت استعراضا عسكريا نهاية عام 2019 وسط باريس، في فرنسا الدولة الكبرى والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي.
إذاً قوات البيشمركة أضحت بمصاف الجيوش العقائدية والنظامية العالمية، من المؤكد أن قوات البيشمركة تحمل راية النضال المسلح بكل أمانة فأن تاريخها المشرف جعل من الدول الكبرى تصنفها كقوات عسكرية نظامية وعقائدية، ليس سهلا أن تتعامل دول عظمى معها ما لم تدرس تاريخها بكل دقة، خصوصا تعاملها مع أسرى الإرهاب وعند دخولها الأراضي والمدن المحررة وكيف تعاملت مع ممتلكات المواطنين المنضبط لم تحصل اية خروقات خلافا للقانون.
البيشمركة في مسيرتها الظافرة قدم مئات الآلاف من الشهداء على طريق تحرير شعب كوردستان، من الظلم والقهر والعبودية والاضطهاد وحرمانه من أبسط حقوقه التي أقرتها المواثيق والعهود الدولية وحتى الدساتير للدول القمعية، ولن تستكين مطلقا إلى أن ينال شعبها حقوقه كاملة في إقامة دولته المستقلة بغض النظر عن مصالح الدول الكبرى، فهي قوية بمؤازرة وتكاتف شعبها الذي رفع لها راية القدسية.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن