هذه ليست دعوة أو تأييداً لعقوبة الإعدام التي يشهد العراق بين فترة وأخرى مطالبات لتسريع تنفيذها، أو المطالبة بها كرد فعل لبعض الجرائم البشعة والأخبار المفزعة التي تنقلها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل هي دعوة للتأمل والتفكير خارج إطار الأخبار التي لا يمر أسبوع أو أحياناً عدة أيام إلا وتحدث جريمة شنيعة ومقززة من قتل واغتصاب وانتهاك للحقوق والحرمات.
فخلال الأسابيع القليلة الماضية كانت الأخبار عن الأم التي ألقت بطفليها في نهر دجلة والتي أشعلت عواطف واهتمام الناس الذين أدانوا هذا الفعل الشنيع، ثم تلتها جريمة أب قتل أولاده الثلاثة شنقاً بسبب خلافات عائلية مع زوجته وتعاطيه المخدرات، فقام بخنق أطفاله الثلاثة الصغار.
كما قام ثلاثة أبناء بقتل والدهم بعد أن تم الإخبار عن واقعة انتحاره ثم تبين بعد التحقيق أن أبناء المجني عليه الثلاثة قاموا بالاتفاق والاشتراك بقتل والدهم بسبب الميراث، وقام رجل برمي زوجته من سيارته التي تسير بسرعة كبيرة وإصابتها بكسور ورضوض ونزيف حاد تم نقلها إلى المستشفى وفارقت الحياة بعد طلبها الشكوى ضد زوجها.
كما أقدم شاب على حرق أبيه ليفارق الأخير حياته متأثراً بالحروق، وقامت زوجة بقتل زوجها وبمساعدة بناتها في حرق وتقطيع جثة الأب، وغيرها الكثير من الجرائم البشعة التي حدثت في نطاق العائلة الواحدة التي يجمعها الدم والرحم والقرابة والتي كان فيها الجناة (أم وأب وأبناء أولاد وبنات وزوج وزوجة...).
هذه الجرائم لا يمكن أن يكون علاجها أو المعالجة الوحيدة لها عقوبة الإعدام التي تُنهي حياة الجاني وتحقق الراحة والقبول للآخرين الذين غالباً ما يتفاعلون أو يتأثرون بالجانب الظاهر أو المعلن من الجريمة، دون أن تكون هناك دراسة وبحث ومتابعة للأسباب والظروف التي أدت إلى حدوث هذه الجرائم.
إن الجرائم تتكرر وتكاد تتحول إلى ظاهرة في بعض المدن والمناطق التي تشهد جرائم زنا المحارم وقتل الوالدين أو الأبناء أو الأزواج، مما يبين أن هذه الجرائم هي انفجار حقيقي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يعاني منها المجتمع العراقي من دون أي حلول حكومية لمعالجتها.
غياب الدولة عن مهماتها وواجباتها في حماية الفرد والاسرة وتوفير حاجياتهم في التعليم والصحة والأمن والرعاية والحماية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية وعدم تطبيق مواد الدستور والقوانين النافذة التي لا يطبق إلا ما هو في مصلحة الحكومة والأحزاب.
إن أسباب الجرائم كثيرة ومتنوعة بعضها يعود إلى الجاني نفسه وبعضها يتحمله المجتمع والحكومة معاً، فانتشار الفقر ودور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي زادت من مشكلات ومآسي المجتمع العراقي الذي انتشرت فيه عصابات وجرائم القتل والخيانة والاحتيال والتهديد والتشهير والابتزاز الإلكتروني والدعارة وغسل العار والاتجار بالبشر والترويج وتعاطي المخدرات.
عليه فإن الإعدام وحده لا يكفي عندما يتم الحكم على الأم التي رمت طفليها في نهر دجلة بالإعدام مرتين من دون معرفة الأسباب والظروف التي أدت إلى حدوث هذه الجرائم ودراستها من قبل أساتذة ومختصين لهم إلمام واسع في علم النفس والاجتماع والتربية والطب العدلي والعلوم والمعارف الأخرى التي تساعد في تقديم ما يمنع أو يقلل من حدوث جرائم أخرى مماثلة لها، وهو ما يعجز الإعدام عن تحقيقه حيث توجد آلاف أحكام الإعدام غير المنفذة ومازالت الجرائم تتوالى وتتكرر من دون حلول أو معالجات.
* نائب المدعي العام - إقليم كوردستان - العراق
الإعدام وحده لا يكفي
هذه الجرائم لا يمكن أن يكون علاجها أو المعالجة الوحيدة لها عقوبة الإعدام
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن