في الساعة 9:30 من مساء يوم الإثنين 15 شباط 2021 أطلقت 14 صاروخًا على مطار أربيل الدولي وبعض الأحياء السكنية بالمدينة، مما أودى بحياة شخص واحد وإصابة 8 آخرين من بينهم 5 في المطار و 3 آخرين في المدينة، فضلًا عن إلحاق أضرار مادية بعدد من المنازل والمصالح التجارية.
وبعد أن بدأت قوات مكافحة الإرهاب والآسايش والشرطة في إقليم كوردستان تحقيقًا فوريًا، بالتعاون مع قوات التحالف الدولي، عُثرت على سيارة من طراز (كيا) بين أربيل والكوير تحمل عدة صواريخ التي تكون مداها ما بين 8-10 كيلو متر !
في 20 تشرين الأول 2017 حاولت ميليشيات الحشد الشعبي التقدم نحول أربيل لاحتلالها وبسط نفوذها على إقليم كوردستان بصورة عامة وإنهاء الكيان الدستوري لإقليم كوردستان على وجه الخصوص ولهذا قررت قيادة كوردستان بقيادة فخامة الرئيس مسعود بارزاني مقاومة تلك الميليشيات ولاسيما في ملحمة ( پردي ) بعد أن لقنت قوات الپيشمرگة الحشد الشعبي درسًا قاسيًا بمنعهم من الاقتراب على حدود كوردستان وعلى إثر ذلك الهجوم دمّرت قوات الپيشمرگة إحدى الدبابات الأمريكية والمعروفة بــ ( أبرامز ) وكان تسليح الأمريكان للجيش العراقي بالأسلحة الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وليس لمحاربة شعب كوردستان ولكن استخدمت تلك الأسلحة ضد قوات الپيشمرگة .
واستمرت مقاومة قوات الپيشمرگة البطلة في جميع المحاور والجبهات وقاتلوا بشراسة كبيرة ،وفي 26 تشرين الأول 2017 أرادت القوات العراقية والحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني احتلال منطقة فيشخابور ولكنهم لم يستطيعوا التقدم نحو المنطقة لشراسة قتال قوات الپيشمرگة في تلك المعركة وقد سجلت قوات الپيشمرگة موقفًا بطوليًا فيها وتعد من أبرز المعارك التي خاضتها في تأريخها .
هاتان الملحمتان كانتا نقطة التغيير في المعادلة السياسية لفتح باب الحوار مع أربيل لوقف القتال ضد الحشد الشعبي وكانوا يعتقدون بأن قواتنا ستهرب أمامهم ولهذا السبب هم موجوعون ومتأثرون جدًا من تلك المعركتين وآثارهما لاتزال موجودة عليهم !
وتجدر الإشارة إلى أن هجوم تلك القوات مخالف للدستور العراقي ضمن المادة (9)أولًا :
أ- تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون أداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة.
ب- يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة .
وهنا مسألتان مهمتان وهما لا يجوز أن يكون الجيش العراقي والأجهزة الأمنية أداة لقمع الشعب العراقي والأمر الآخر أن جميع الميليشيات العسكرية قد شكلت خارج إطار القوات المسلحة وعلى الرغم من وجودها الشكلي ضمن القوات المسلحة لكنها لا تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة وهذا ما حدث في كركوك وبقية المناطق الكوردستانبة خارج إدارة إقليم كوردستان في 16 تشرين الأول 2017 ، فأخذوا الأوامر من إيران مباشرة ومن قاسم السليماني على وجه التحديد الذي أشرف بنفسه على العمليات في كثير المحاور !
إن هذ الاستهداف لم يأتِ من فراغ فقد أثبتت أحزاب السلطة ولاسيما الإسلام السياسي - الشيعي والسني - بشقيهما في بغداد إخفاقهما بملف إدارة الحكومة العراقية الجديدة من بعد عام 2003 واستولوا على السلطة في حين غفلة من الزمن وكثير منهم يندرجون تحت يافطة ( سياسيو الصدفة ) الذين لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد فهؤلاء أرجعوا العراق إلى عصور متأخرة نتيجة للعقلية الساذجة التي يتعاملون بها مع الشعب العراقي باسم المظلومية تارة وباسم الدين لدغدغة مشاعرهم تارة أخرى، فكان لابد من التستر على إخفاقهم الذريع ومحاربة كوردستان بجميع الطرق لتخفيف الضغوط عليهم من الشارع العراقي !
فلو أرجعنا عقارب الزمن إلى الوراء قليلًا لوجدنا أن الإعلان الرسمي لتشكيل الميليشيات في العراق كان في شهر تموز من سنة 2004 باسم ( جيش المهدي ) والتأريخ الفعلي قبل ذلك بسنوات كثيرة وهو جيش مدعوم إيرانيًا من حيث التسليح والتدريب ، ثم جمّد عمله السيد ( مقتدى الصدر ) في سنة 2007 وأغلب المنتمين لفصائل هذا الجيش العقائدي هم من الأحياء الفقيرة ومحدودي الثقافة والعلم والأخلاق ، ولهذا يصفهم ( مقتدى الصدر ) تلك الفصائل دائمًا بــ ( الجهلة ) ثم خرجت من رحمها ومن تحت عباءتها بقية الميليشيات المنفلتة الموجودة على الساحة العراقية ومنها تأسست فيما بعد الحشود الشعبية وكان للمالكي دور كبير بتغذية الميليشيات في الاحتقان الطائفي إبان الحرب الطائفية في سنتي ( 2006-2007 ) ومرورًا بسقوط مدينة الموصل في سنة ( 2014 ) على يد تنظيم الدولة الإسلامية بعدما سلمها المالكي لهم على طبق من ذهب ومن دون مقاومة لجيشه، ويبلغ عدد ميليشيات الحشد الشعبي 67 من الشيعة و 44 منهم من مقلدي السيد ( علي خامنئي ) و 17 من مقلدي السيد ( علي السيستاني ) و 6 من مقلدي المراجع الأخرى ونسبة الولائيين هي الأكثر في صفوفهم وجميع المناصب المهمة تحت سيطرتهم ومصدر تمويل تنظيم الدولة والحشد واحد ومن جهة واحدة فضلًا عن المكاتب الاقتصادية وابتزاز التجار لجمع الأموال وعمليات التهريب بجميع أنواعها .
والمجموعة التي قامت بالعمل الإرهابي في أربيل عاصمة إقليم كوردستان تطلق على نفسها ( سرايا أولياء الدم ) وتبنت العملية رسميًا خلال بيان لها، وهي من الميليشيات الإرهابية الموالية لإيران كما فعلوا سابقًا عندما أحرقوا مقر الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني ببغداد من عن طريقة مجموعة تطلق على نفسها ( ربع الله ) وهي الوجه الآخر لحزب الله الإيراني وهذه الميليشيات - سرايا أولياء الدم - لها أعمال إرهابية ضد الأمريكان وأرتالهم العسكرية !
تحاول الميليشيات المنفلتة بين الحين والآخر زعزعة الوضع الأمني في إقليم كوردستان ووقف عجلة التقدم والازدهار والإعمار في كوردستان بعدما أصبحت بيئة آمنة للجميع وأوجدت فرص عمل للاستثمار فيها وتنفيذ مئات المشاريع في ( الكابينة الوزارية التاسعة ) برئاسة السيد مسرور بارزاني على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها أربيل ولاسيما بعد قطع الموازنة منذ 2014 حتى هذا اليوم وهي سياسة جديدة لأنفلة شعب كوردستان وقطع أرزاقهم ومحاربتهم في قوتهم ولكن هيهات هيهات أن يحلموا بما يفكرون به !
إن ازدهار كوردستان أزعج ساسة المنطقة الخضراء وسبب لهم إحراجًا أمام جماهيرهم لإخفاقهم بعدم استطاعتهم تقديم الخدمات للمواطن العراقي فشعروا بخطورة الوضع تجاههم وانخفاض حاد في شعبيتهم لدى الشارع العراقي وتصاعد وتيرة الغضب ضدهم فاضطروا إلى خلق مجموعة من الإشاعات والأكاذيب وترويجها إعلاميًا من خلال القنوات الفضائية المرتزقة ومنصات التواصل الاجتماعي وضخ مجموعة من المحللين الذين لا يمتلكون ضميرًا لتشكيل رأي عام في الشارع العراقي ألا وهو أن كوردستان ازدهرت وتطورت نتيجة اعتمادها على نفط البصرة وسرقة حصة المواطن في المحافظات الجنوبية وإرسالها إلى إقليم كوردستان !
وكل هذا عبارة عن مجموعة من القصص والأكاذيب والأساطير والخرافات ما أنزل الله بها من سلطان لاستثمارها وتوظيفها إعلاميًا كدعاية انتخابية لاستدراج واستمالة الشارع باتجاههم ولرفع رصيدهم المنخفض !
لقد كان هناك جملة من الأسباب والدوافع لهذا العمل الغادر الجبان باتجاه عاصمة إقليم كوردستان وهي :
من الأسباب التي دفعت الميليشيات إلى هذه العملية الإرهابية هو عدم تصويت الكتل الكوردستانية على إخراج القوات الأمريكية من العراق معتقدين أن قرار إخراج الأمريكان بيدهم . ألم يصوتوا تلك الفصائل في المجلس النواب العراقي على إخراجهم فلماذا لم يخرجوا بعد تصويتهم أليس هذا ضحك على الذقون واستعمال سياسة الاستحمار ؟!
وكذلك من الأسباب الأخرى لاستهداف قلعة أربيل هي عرقلة تطبيق اتفاقية شنگال ما بين أربيل وبغداد وذلك لقطع الصلة بين إيران وسوريا وغلق طريق الحرير أمامهم !
ومن الأسباب أيضًا هو محاولة عدول الحبر الأعظم ( پاپا الڤاتيكان ) عن زيارة كوردستان كخلق نوع من الإرباك الأمني وعدم استقرار الأوضاع !
ومن الأسباب أيضًا هو نوع من التهديد لكتل كوردستانية كورقة عليهم للرضوخ على إقرار الموازنة وتسليم جميع المنافذ والواردات لهم .
ومن أسباب استهداف أربيل أيضًا من قبل تلك الميليشيات الإرهابية توجيه رسالة واضحة للإدارة الأمريكية برئاسة (جو بايدن ) كي يقولوا نحن أصحاب القرار في العراق ونقاتل نيابة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفتح باب المفاوضات حول برنامج إيران النووي !
ومن أسباب التي دفعت تلك الميليشيات الإرهابية لهذا العمل الجبان أيضًا ما كتبه فخامة الرئيس مسعود بارزاني من الحقائق في كتابه ( للتأريخ ) وتقزيم دور الميليشيات الولائية أمام قوات الپيشمرگة البطلة بمنع تسللهم إلى كوردستان.
ومن الجدير بالذكر أن الصواريخ التي استخدمت في العملية الإرهابية هي إيرانية وروسية الصنع وذلك لعدم امتلاك الجيش العراقي هكذا نوعية من الصواريخ إن لم تكن هناك أذراع للأجندات الإقليمية في العملية وإلا كيف تسللوا ومن أين جاءت تلك الصواريخ وهي صواريخ ليست دقيقة بإصابة الهدف ؟!
إقليم كوردستان يتعرض للقصف التركي بين الحين والآخر بحجة مطاردة حزب العمال الكوردستاني والحكومة العراقية في حالك سبات !
وإيران تقصف إقليم كوردستان بحجة مطاردة معارضي النظام الإيراني ولاسيما الحزب الديمقراطي الكوردستاني - الإيراني .
وميليشيات الحشد الشعبي تقصف كوردستان الآمنة للضغط على أمريكا لكي يتفقوا على البرنامج النووي .
وتنظيم الدولة الإسلامية المدعومة من إيران وبعض الدول تصول في المناطق الكوردستانية المحتلة من قبل ميليشيات الحشد الشعبي وتشن الهجمات على قوات الپيشمرگة والجيش العراقي .
ومن هنا يجب تطبيق اتفاقية شنگال بأقصى سرعة وكذلك المادة 140 من الدستور العراقي لسد الفراغ الأمني الموجود في المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان والإرهابيون ينشطون فيها يومًا بعد يوم ويشنون الهجمات في المناطق المستقطعة من كوردستان بشكل متكرر .
وبعد العمليات الإرهابية التي استهدافت المنطقة الخضراء في الآونة الأخيرة ظهرت ميليشيات جديدة من رحم الميليشيات الولائية كــ ( ربع الله وسرايا أولياء الدم ) وذلك لغرض إبعاد الشبهة عن أنفسهم والتخلص من إحراجات الكتل السياسية وإبعاد أنفسهم من المساءلة القانونية بحجة عدم علاقاتهم بتلك الميليشيات .
وتأسيسًا على ما تقدّم يمكننا القول بأن العراق لم يعد بيئة آمنة صالحة للعيش الآمن لاسيما بعدما أصبحت زمام سلطة بيد الميليشيات التي تمارس الخطف والقتل والابتزاز بجميع المحافظات العراقية في ظل دعم مالي كبير من الحكومة العراقية ومن بعض الجهات الأخرى، وفي قراءة سريعة لصفحات مسودة الموازنة لسنة 2021 يظهر أن المخصص لنفقات الحشد الشعبي بلغ أكثر من 2.4 ترليون دينار، وهو ما يعادل مجموع موازنات ست وزارات وهي : ( العدل والخارجية والثقافة والموارد المائية والتخطيط والنقل ) فالحكومة العراقية داعمة لتلك الميلشيات باسم القانون !
ونتيجة للعمل الإرهابي تجاه أربيل فقد أصدرت كثير من الدول مثل : ( الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والصين والأردن ) بيانات الإدانة حول العملية الإرهابية التي استهدفت أربيل وهذه الإدانات وحدها غير كافية إن لم تقص أجنحة الميليشات الوقحة وتقويض نفوذها التي تحاول زعزعة الأمن والاستقرار في إقليم كوردستان والذي أصبح ملاذًا آمنًا لجميع المظلومين الذين يتعرضون للقمع من قبل الميليشيات في بغداد والمحافظات الجنوبية وقبلها كانت ملاذًا من الفارين من الأجهزة القمعية البعثية إبان حقبة صدام حسين ،وفي سنة 2014 فتحت كوردستان أبوابها أمام النازحين بعد سقوط المناطق السنية بيد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية !
تبقى كوردستان صامدة بوجه أعدائها وملاذًا آمنًا للمظلومين من قبل الظالمين والشوفينيين والإرهابيين.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل تستطيع الأجهزة الأمنية في العراق أن تحدد الجهة التي تستهدف البعثات الدبلوماسية في العراق وإقليم كوردستان وتسميها بالاسم ؟!
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر قناة زاكروس عربية.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن