يشكل استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق خطرا على مستقبل البلد وعلاقاته مع دول العالم المختلفة، فحماية مقار البعثات الدبلوماسية تقع على عاتق الدولة المضيفة، وأي تهديد دلالة على عدم قدرة الدولة على بسط نفوذها على أراضيها وناقوس خطر لزيادة أنشطة قوى الإرهاب داخلها.
والهجمات التي تتكرر الآن في العراق ضد البعثات الدبلوماسية تجعله مصنفا لدى دولها بأنه بلد غير آمن، لكن أسبابا قد تقف ورائها لا ينكرها أحد، أهمها محاولات أطراف إقليمية إدارة صراعاتها وخلافاتها على أرضه، أو تصفية حسابات وإظهار نفوذ واستعراض القوة وتصوير العراق على أنه مجموعة من الفصائل والطوائف تعمل كل واحدة منها لصالح جبهة بعينها.
مؤخرا ظهرت دعوة مطالبة بإغلاق مقر السفارة الأمريكية في بغداد واعتبارها وكرا للتجسس و التدخل في الشؤون الداخلية، حتى البعض من غير العراقيين سعوا لتحقيق نفس الغرض، رغم علاقات وطيدة تجمعهم بالأمريكان لا يطالبون أسيادهم وحكامهم بقطع العلاقات معها، بجانب أطراف عراقية كانوا بالأمس يركضون لملاقاة الأمريكان وطلب العون منهم لتحرير العراق من النظام السابق.
أمريكا اليوم هي أمريكا الأمس والغد، تبحث عن تحقيق مصالحها وتتلاقي حولها بمن تراه مناسبا لتحقيقها، وعلى هذه الأرضية يمكن فهم هذا التغيير في مواقف قوى اشتركت في ماراثون الوصول إلى واشنطن وسفاراتها في عواصم أوروبا وخاصة لندن، وتتبدل قراراتها ورغباتها الآن.
المتعقلون وحدهم يقرون بأن أي تدخل أجنبي من أية جهة فى الشأن الداخلي ضد المصالح العراقية عموما، والأفضل أن يكون الحل عراقيا خالصا لكل أزماته بعيدا عن أجندات إقليمية ودولية، وهكذا تبنى العلاقات من أجل المصالح واحترام الآخر.
إن غلق السفارة الأمريكية في بغداد يعد ضربة للعراق ذاته في هذه الظروف، فربما تتخذ دول أخرى قرارات بسحب بعثاتها، وهذا أمر يحول العراق إلى كيان منغلق على ذاته لا فرص فيه للصعود إقتصاديا واجتماعيا، بينما الحالة السياسية والنفسية ضائعة تماما.
نعم؛ فكل القوى والجبهات تعرف أن المواطن العراقي أصبح مدمرا نفسيا ولا أمل لديه فى المستقبل، وشهور المظاهرات المطلبية الأخيرة خير شاهد على ذلك، وخير برهان على أنه ضحية صراعات وخلافات لا تعرف حقه فى لقمة العيش ولا تعترف بحقه فى الأمن.
مصلحة البلد العليا يعرف الجميع مصدرها ومنبعها، وهو الدستور الذي يتجاهلون تطبيقه واحترامه، وحدة يمثل ضمانة أساسية لحقوق إجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، وحريات فردية وعامة، وعلى أساسه يمكن حل الخلافات المختلقة والقضايا العالقة التى يعرف الجميع نسب استفادتهم من بقائها وتعقيدها.
إن عراقا متمتعا بإحترام دولي وإقليمي هو بلد يحترم دستوره وإتفاقياته الموقعة مع الغير والمعاهدات الدولية، وهذا مفتاح مهم لفهم خطورة استبعاد البعثات الدبلوماسية أو الهجوم على السفارات، فالعراق يحتاج فى حل أزماته لشراكات وحوارات متعددة وإيجابية تسهم فى تهدئة أوضاعه، وسيكون حرا بحق متى تحقق وجوده بين قوى دولية وإقليمية لا أن تصبح فرقه وجماعاته تابعة لها.
وفى تطبيق الدستور السبيل لتقديم النموذج الفيدرالى الأمثل بالمنطقة كلها، فحل الخلافات بين إقليم كردستان وبغداد ضرورة ملحة، وضمانة لاستقراره، والمصلحة الوطنية تقتضي مناخا جاذبا للاستثمار لن يتحقق دون مكافحة الفساد الذي تظاهرت الملايين للقضاء عليه، وتوحيد الصف الوطني الداخلي سيقضى بالضرورة على الطائفية والمذهبية وبالتالي التبعية لدول أخرى، وقتها سيزول خطر داعش ويأمن العراق شرور المتلاعبين باستقراره.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن