Erbil 9°C السبت 23 تشرين الثاني 04:43

شماعة أميركا وإسرائيل

بالتأكيد حينها كانوا يقصدون المسؤولين الكورد

قبل نصف قرن تقريباً، قُتِلَ قائمقام إحدى المدن العراقية على أيدي مهربين وهاربين من الخدمة الإلزامية حينذاك، ظنّاً منهم أنه أحد أفراد الشرطة التي تتابعهم، خاصةً وأنه كان يستقل سيارتهم التي كانت تُدعى حينها بـ (المسلحة)، وحينما اقتربت من مكان تواجدهم في جبلٍ قرّب الحدود، ورغم أنه لم يكن في تلك الحادثة بمهمة رسمية، بل كان في زيارة تفقدية للمنطقة إلا أنه وحينما اقتربت السيارة التي تقله كثيراً منهم أطلقوا الرصاص عليها، وهم لا يعلمون من في داخلها غير الشرطة، وقد قُتِلَ الرجل وأصيب آخرين من مرافقيه بجروح، وراح ضحية زيارة غير موفقة.

بعد ساعات قليلة وتنبيهات عديدة من إذاعة بغداد بأنها ستذيع بياناً هاماً للمواطنين، خرج علينا المذيع بالخبر التالي: "قامت مجموعة من عملاء شبكات التجسس وشركات النفط الاحتكارية الإمبريالية والصهيونية العالمية باغتيال المناضل (...) قائمقام قضاء...، وبالتأكيد حينها كانوا يقصدون المسؤولين الكورد في تلك المدينة الكوردية، التي تعرضت لسياسة التغيير الديموغرافي في تقطيع أوصالها وتشويه تركيبتها السكانية، ويتذكر العراقيون في تلك الفترة شيوع مودة العمالة للشركات النفطية لكل معارض لنظامهم، حيث قرار التأميم قد اتخذ للتو وكان يومها الخطاب الإعلامي والسياسي يتضمن هذه المصطلحات في الدعاية السياسية لإسقاط معارضي نظام البعث، وقد أُعدِمَ المئات منهم تحت مقصلة هذا الشعار، وللأسف ما يزال ورثته يقتفون آثاره بذات الفلسفة والوسيلة، بل ويقلدونه أكثر من مرجع في خطابهم السياسي والإعلامي التخويني.

هذا النسق الإعلامي لم يكُ حصرياً على العراق، فهو أيقونة كلّ الأنّظمة الراديكالية في الشرق الأوسط، سواء في الدول العربية أو الإسلامية، حيث التهمة جاهزة لكل من يعارض نظامها السياسي إما بالعمالة للغرب وإسرائيل إذا كان عروبياً، أو أنه فاجرٌ كافرٌ مرتد إذا كان إسلامياً وتهمته الأولى بأنه مرتد أو قاتل للخلفاء الراشدين أو أبنائهم أو كل من قُتِلَ خلال 1437 سنة، وكانت الخلاصة في هذه العجقة ظهور الدولة الإسلامية "داعش" والميليشيات، اللتان أنهيتا وجود الدولة وتحويلها إلى اللا دولة، والغريب أنهم كلما انفضحت مخازيهم في الفساد وجرائمهم في الاغتيال والاختطاف، وأصبحوا بديلاً للدولة في امتلاك السلاح وسلطة المنفلتين، عزفوا أغنية كوردستان التي تعيش على نفط البصرة ويجب قطع حصتها من الموازنة وحرمان موظفيها من المعاشات كما يحصل منذ سنوات!

ولعلّ أفضل شاهد اليوم على هذا النهج هو اتهام كل من يعارضهم ويقف بالضد من توجهاتهم الطائفية والعنصرية بأنه من حلفاء أمريكا وإسرائيل، فمنذ تولي السيد الكاظمي رئاسة الحكومة الجديدة وإعلانه البدء بتنفيذ حملته ضد أشباح اللادولة وما يلحقهم من مافيات فساد ودولة عميقة، وهم يتبارون على وضع بالاتهم ولنكاتهم على شماعة أمريكا الشيطان الأكبر وإسرائيل الشيطان الأصغر، وقد أضافوا إليها مؤخراً الانفصاليون وناهبي ثروات العراق، وخاصةً نفط البصرة وموارد مينائها وما تأتيهم من شعاراتهم الطائفية المقيتة ضد الإقليم وضد كل من يختلف معهم حتى في أغنية!
أنهم ورثة أولئك الذين اتهموا شلة من المهربين الأميين والهاربين من العسكرية الذين اغتالوا القائمقام بأنهم عملاء الشركات النفطية وجواسيس الإمبريالية والصهيونية، والمسيرة لم تتغير هي هي الا بالالوان والعناوين.

كوردستان

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.