زاكروس عربية- أربيل
في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة حرب التصريحات المترافق بالتمادي التركي البحري والبري، بحثاً عن مصدر جديد لتمويل العجز المتفاقم، والديون الضخمة الكارثية التي تواجهها تركيا، تدخلت فرنسا من خلال هجمات دبلوماسية، ضد التحركات التركية في مياه البحر المتوسط، بدأتها بالسعي في استقطاب ألمانيا بهدف قيادة مجموعة أوروبية فاعلة لردع التحركات التركية على المستويين السياسي والأمني، بينما لا تزال برلين توازن بين دور الوساطة لنزع فتيل أزمة بين أنقرة والقوى الأوروبية حول اليونان، ومحاولة المشاركة في جهود تقويض العمليات التي تقوم بها تركيا لنقل الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا.
الأمر الذي حذا بوزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، بالتوجه الى بغداد، ومنها الى أربيل، لبحث مستقبل التعاون العسكري مع بغداد، في إطار التحالف الدولي، في سياق "التدخلات التركية على الأراضي العراقية، في مسعى لفرض هيمنتها للسيطرة على مقدرات الشعوب"، مؤكدة على دعم فرنسا الكامل للسيادة العراقية في إطار توازن إقليمي معقد، لافتة أن "فرنسا فخورة بأنها تخوض هذه الحرب المستمرة منذ ست سنوات جنباً إلى جنب البيشمركة".
وتعاني الحكومة العراقية تحت وطأة التناحر السياسي والأزمة الاقتصادية واحتمال اندلاع مزيد من الاضطرابات الشعبية، الى جانب علاقاتها المشحونة بالتوترات مع الإقليم الكوردستاني في الغالب، لترى جارتها تركيا منهمكة في نقل صراعها المستمر منذ عقود مع المقاتلين الكورد إلى حدود أبعد في عمق الأراضي العراقية، بمحاولاتها في إقامة قواعد عسكرية والإجتياح بالطائرات المسيرة، في غارات بذريعة استهداف معاقل مقاتلي العمال الكوردستاني المتحصنين في المناطق الجبلية الحدودية سعيا لتحقيق مكاسب عسكرية في صراع يدور بعيدا عن الأضواء، تقوم بها أنقرة، بينما تتحلى بغداد بالهدوء الشديد، ليبقى الإقليم مضطراً للهدوء، تجنّباً للمخاطرة بالتصعيد مع تركيا، مما حذا للقول: بأن "التوغل التركي موجه إلى حكومة إقليم كوردستان"، حسب باحث من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
لذا عبّرت الوزيرة الضيفة في مؤتمر صحفي مع رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني: على أن بلادها "تشعر بقلق بالغ تجاه الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، وأن هذه التوترات والتدخلات الخارجية ليست جائزة، يجب أن يكون هناك حوار جيد بين دول المنطقة".
ولكن الملحوظ أن حملة أنقرة العابرة للحدود تجتذب قدراً أقل من الاهتمام مقارنة بتوغلاتها في سوريا، ورفدها للمرتزقة الى ليبيا، لأن وجود القوات التركية في العراق منذ فترة طويلة، أصلاً هي جزء من إستراتيجية هدفها دفع خطوط القتال لما وراء الحدود بعد سنوات من الصراع وإراقة الدماء في الداخل.
فثمة مؤشرات توحي بخروج تلك التفاعلات عن السيطرة، إذ أخذت معركة "التصريحات الهجومية" بين الطرفين الفرنسي والتركي، تتحول إلى تحركات عسكرية وأمنية ما قبل الصدام، وصعّدت الأمر بتأكيد أن البحرية التركية تستغل إحداثيات الحلف في تحركاتها تجاه ليبيا، لرمي الكرة في دائرة الاتحاد الأوروبي، حيث يبدو أن هناك اتجاهاً أوروبياً عاماً يتحرك فى المسار الدبلوماسي لاحتواء أزمة متصاعدة تحشرها أنقرة في شرق المتوسط.
وفي تحرك استباقي في مواجهة أنقرة، رفعت فرنسا من مستوى المشاركة في دعم أثينا دفاعياً بنشر قطعة بحرية وطائرتي "رافال"،إلى أن يتم تنسيق المواقف الأوروبية.
وفي أعقاب رسالة دبلوماسية في حوار له مع مجلة "باريماتش"،دعا الرئيس الفرنسي نظيره التركي "للتعقُّل" واعتبر أن "أردوغان ينتهج سياسة توسعية لا تتفق والمصالح الأوروبية، وتشكّل عاملاً مزعزعاً لاستقرار أوروبا".
في المقابل، صعّدت أنقرة من حملتها المضادة للسياسة الفرنسية في شرق المتوسط، عندما وصفت باريس بأنها "تتصرف مثل بلطجيّ في شرق المتوسط"، مع السعي إلى سباق باريس في لبنان، برفدها لمسؤولين لزيارة بيروت عقب زيارة ماكرون لها، في محاولة لإبعاد الانتشار العسكري المتنامي على حدودها، بمواصلة إمداداتها العسكرية البحرية إلى ليبيا فضلاً عن تصدير المرتزقة.
أنقرة التي شنت ثلاث عمليات توغل في كوردستان سوريا في ثلاث سنوات، بحملاتها المسعورة في كل الاتجاهات التي تتكلم الكوردية، بذريعة مزاعمها المتكررة في اجتثاث ما تسميها بـ"جذور الأزمة"، منتهجاً تدمير التهديد من المكان الذي ينطلق منه- حسب مسؤولين أتراك، ثم نشرت قوات لها في محافظة إدلب لوقف هجوم الحكومة السورية المدعوم من روسيا ضد المعارضة السورية المسلحة، هي ذاتها التي استعرضت قوتها في شرق البحر المتوسط، وحولت مسار الصراع في ليبيا، وأقامت قواعد عسكرية في الخليج والقرن الأفريقي، مما أثارت تدخلاتها قلق دول مثل مصر والإمارات والسعودية وأشعلت اتهامات المعارضة في الداخل بأنها تسعى لصرف الاهتمام عن أزمة اقتصادية ونكسات سياسية بعد 17 عاما في السلطة.
إلا أن حراكاً نشطاً متعدد القوى والأطراف تجاه السياسة التركية في شرق المتوسط، بدا يأخذ مظهراً غير مسبوق يعكس التلويح بالخيار العسكري كأداة ضغط، في ظل عدم فعالية الأداة الدبلوماسية لردع تركيا، التي تنتهج سلوك المناورة، بهدف الوصول لترتيبات جديدة في المنطقة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن