عموم الشعب اللبناني سبق حكم المحكمة والاستئناف والتمييز وأدرك منذ اللحظة الأولى مَن اغتال رفيق الحريري ورفاقه جميعاً: إنه النظام السوري وبتوافق مع النظام الإيراني.
هذه الحقيقة العابرة للطوائف والأحزاب، كانت ولا تزال هي الحقيقة في الجريمة السياسية التي فُجع بها لبنان قبل خمسة عشر عاماً.
الجريمة الأكثر فظاعةً أن يتولّى أدوات هذين النظامَين في البلد فرز الشعب بين مَن استنكر الاغتيال وطالب بالحقيقة والعدالة، وبين مَن تخلّى عن ضميره ليبارك الاغتيال، ويبحث عن أكثر الذرائع خسّة ليهرّب القتلة الكبار والصغار ويساعدهم في الإفلات من العقاب، الدليل الأهم الى أن المحكمة الدولية راعت المعايير القانونية، أنها لم تجد سوى هذه الزمرة من منفّذي الجريمة من كوادر "حزب الله" لتحاكمهم، لأن آثارهم موجودة في مسرح الجريمة ومحيطه، بل ان القتلة وبعدما تيقنوا بأنهم كُشفوا عمدوا الى اغتيال وسام الحسن، ووسام عيد، للتخلّص من شاهدين أساسيين في فك ألغاز الجريمة.
وبعدما جهد الآمرون والمخططون في دمشق وطهران لإبعاد الشبهات عنهم، ولم يتعاونوا مع التحقيق إلا لتضليله، أرادوا أيضاً أن يخدع الرأي العام نفسه ليصدّق أن القتلة المحدّدين تصرفوا كعصابة منفردة لا علاقة لها بـ "حزب الله"، مرجعيتهم المباشرة، لكنهم تحرّكوا بإمرة واضحة لإداء "واجب جهادي"، لذلك أحيطوا ولا يزالون بحماية وحصانة حزبية حتى بعد قتل أحدهم واختفاء الآخرين أو اخفائهم.
كان تزامن الانفجار الهائل في المرفأ مع موعد النطق بالحكم وضع اللبنانيين أمام مشهدين مترابطين الى حدٍّ كبير:
حفرة انفجار 2005 دفنت حلم السلام والإعمار مع الرئيس الشهيد.
والحفرة الأكبر في المرفأ تبدو كأنها استكمال للمشروع الجهنمي نفسه الذي بات يطمح الى دفن لبنان نفسه.
يضاف أيضاً الجدل على محلية التحقيق ودوليته، وعلى مسؤولية الفساد والإهمال وإسرائيل، لكن يُراد كذلك إبعاد أي مسؤولية عن "نظام حزب الله" الذي عمّم الفساد ليحمي تسلّطه على المنافذ الحدودية واختراقه للمؤسسات كافة، يرتضي ضحايا الاغتيال "الحقيقة" المختزلة التي كشفتها المحكمة الدولية، فقط من أجل العيش والتعايش، لكن القاتل يعاود العربدة، لأن كلّ ما فعله منذ موافقته على تنفيذ الجريمة كان يستهدف تحديداً هذا التعايش، وقد أتبعها باستباحة بيروت للاستقواء وباستغلال دمار حرب 2006 للتسلّط وبسفك دماء اللبنانيين والسوريين وغيرهم للاستكبار.
القاتل يبحث عن مكافأة على الاغتيال وما تبعه من جرائم ولا يرضى بأقلّ من تغيير صيغة النظام وميثاق التعايش ليتمكّن من حماية روايته الملفقة للحقيقة.
صحيح أن اللبنانيين العابرين للطوائف لم ينتظروا حكم المحكمة في الاغتيال، لكن الحكم أصبح وثيقة تاريخية حتى لو تضمّنت القليل مما في وجدانهم، وستبقى حاضرة على الدوام في يوميات التعايش الى أن يقدم "الحزب" أو فلوله يوماً على الاعتذار من اللبنانيين جميعاً، وهذا أضعف الايمان.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن