يطلق مصطلح الإبادة الجماعية على سياسة القتل الجماعي المنظم على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي .
واليوم هي الذكرى الــ 37 على الإبادة الجماعية للبارزانيين من قبل نظام البعث المقبور ، ولم يتم تعويض أغلب عوائل الشهداء من قبل الحكومة الاتحادية إلى هذا اليوم على الرغم من مرور 37 سنة على الإبادة.
لقد كانت الإبادة الجماعية للبارزانيين من قبل النظام البعثي على ثلاث مراحل :
الأولى : قام النظام البعثي في يوم 31-7-1983 بإرسال قوة عسكرية كبيرة لمحاصرة مخيمي القدس والقادسية في منطقة ( قوش تبة ) وأخذوا جميع الرجال والأطفال الذين بلغوا سبع سنوات فما فوق وتركوا النساء والأطفال .
وكان المخيمان محاطان بالدبابات وطائرات الهليكوبتر العراقية للسيطرة على المخيمين .
وكان ذلك بحضور برزان التكريتي وعدنان خير الله طلفاح مع اللوائين التابعين لهما من الحرس الجمهوري وقامت الشاحنات العسكرية بنقل البارزانيين إلى معسكر تكريت .
الثانية : في يوم 10-8-1983 قام النظامي البعثي الديكتاتوري بمحاصرة مخيمات ( حرير و ديانا و بحركة و كورتو ) وبعدها قاموا بأخذ كل شخص يبلغ من العمر سبع سنوات فما فوق مرة أخرى. ونقلت الشاحنات العسكرية البارزانيين إلى منطقة ( أبو غريب ) وقد قام نظام البعث الإجرامي بفحص الأسلحة الكيمياوية على البارزانيين ومدى فعاليتها فكانت أول تجربة لتلك الأسلحة على البارزانيين المدنيين .
الثالثة : في يوم 1-10-1983 في هذه المرحلة كانت مشددة أكثر من المرحلتين السابقتين إذ قامت سلطات البعث بالتفتيش عن الرجال البارزانيين بيتًا بيتًا وملاحقتهم شبرًا شبرًا وقادوهم إلى المقابر الجماعية وقتلوهم بشكل جماعي في مناطق مختلفة من صحراء بصية التابعة لناحية بصية في قضاء السلمان بمحافظة المثنى وقد أنشأت المقابر الجماعية في تلك الصحراء الجرداء وقتلوا البارزانيين المدنيين الأبرياء ودفونهم وهم أحياء في تلك الصحراء !
وقد بلغ عدد البارزانيين الذين أبادهم صدام ونظامه الشوفيني بالمراحل الثلاث 8000 بارزاني مدني ومن ضمنهم 315 طفلًا !
وبعد أقل من سنة من حملة الاعتقالات للبارزانيين التي نفذتها رجالات البعث وزبانيته قاموا بقطع الكهرباء عن المخيمات ومنع النساء من الخروج منها وكذلك منعوا من الخروج إلى الأسواق أيضًا وأغلقوا المدارس بوجه البارزانيين ومنعوا من مواصلة التربية والتعليم فضلًا عن إهمال الخدمات والواقع الصحي المتردي وكسروا أنابيب المياه وكذلك قطعوا الأغذية عنهم فكانت هذه الممارسات من قبل نظام صدام تجاه النساء والأطفال الذين بقوا في المخيمات بعد اعتقال رجالهن .
فلو أجرينا موازنة على واقع سنة 1983 وسنة 2014 تلك السنة التي سقطت فيها المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان وكذلك المحافظات السنية على يد تنظيم الدولة الإسلامية فقامت العوائل بموجة نزوح تجاه إقليم كوردستان وفي المحافظات الثلاث وبنسب مختلفة من حيث الكثافة السكانية فقد قامت حكومة إقليم كوردستان وشعبها بفتح الأبواب أمام النازحين الهاربين من بطش تنظيم الدولة الإسلامية وأسكنوهم في البيوت والمدارس والجوامع فضلًا عن المخيمات فيما بعد التي أنشأت لهم ، فعوملوا معاملة أهالي إقليم كوردستان من حيث الخروج إلى جميع الأماكن والتنقل ما بين المحافظات ومراجعة المستشفيات وفتحت المدارس والجامعات والمواقع البديلة لمواصلة العملية التربوية والتعليمية وهذا هو نهج إقليم كوردستان في دعم ثقافة التعايش السلمي ودعم أسسه .
أركان جريمة الإبادة الجماعية على البارزانيين :
أولًا: الركن المادي .
إذا وجدت إحدى الأفعال التي نصت عليها المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة فيما يخص الركن المادي لجريمة إبادة الجنس البشري وهي :
1- قتل أفراد أو أعضاء الجماعة : أي قتل عدد معين من الجماعة وليس فردًا واحدًا .
2- إلحق أذى أو ضرر جسدي أو عقلي خطير بأعضاء الجماعة .
وهذا ما حدث للبارزانيين أيضًا.
3- إخضاع الجماعة لظروف معيشية قاسية يقصد منها إهلاكها أو تدميرها الفعلي كليًا أو جزئيًا .
4- فرض تدابير ترمي إلى منع أو إعاقة النسل داخل الجماعة .
5- نقل أطفال أو صغار الجماعة قهرًا أو عنوة من جماعتهم أو جماعة أخرى .
ثانيًا : الركن المعنوي
فالمقصود من هذا الركن أن يكون الجاني على علم بأنه يقوم بعمل يؤدي إلى تهديم كيان الجماعة وإبادتها ويكون الغرض مدفوعًا لأسباب دينية أو عنصرية أو جنسية .
وهذا ما كان مقصودًا ومتعمدًا من قبل صدام وأزلامه تجاه البارزانيين .
مراحل الإبادة الجماعية :
للإبادة الجماعية مرحلتان :
الأولى : تدمير النمط القومي للجماعة المضطهدة .
الثانية : فرض نمط الطغاة القومي .
وقد تحقق هذان الشرطان لإبادة البارزانيين من حيث تدمير النمط القومي وفرض همينة البعث على البارزانيين وتهجيرهم قسرًا إلى المحافظات الجنوبية العراقية .
إن ما فعله نظام البعث الصدامي هو إبادة جماعية للبارزانيين وجريمة ضد الإنسانية يندى لها الجبين .
إن هذه الجريمة تعد من جرائم التطهير العرقي ضد الشعب الكوردي ولاسيما البارزانيين وقد بدأت هذه الجريمة عندما أصدر نظام البعث البائد في سنة 1975 أمرًا بترحيل البارزانيين من قراهم بمحافظة أربيل إلى المحافظات الجنوبية العراقية وفي سنة 1980 أعيدوا إلى مجمعات سكنية قسرية في ناحية ( قوش تبة ) .
وفي 2-3-2009 عقدت المحكمة الجنائية العراقية العليا أول جلسة حول قضية البارزانيين وفي 3-5-2011 صدر الحكم من المحكمة عدت جريمة إبادة البارزانيين جريمة إبادة جماعية .
وقد شكلت هذه الجريمة خرقًا للاتفاقيات والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كنا في المواد الآتية :
المادة 3 : لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه .
المادة 5 : لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة .
المادة9 : لا يجوز القبض على إنسان أو حجره أو نفيه تعسفًا.
تعد جريمة إبادة البارزانيين من الأفعال المنافية للاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب والمؤرخة في 12 آب سنة 1949 والتي نصت في المادة 3 في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدني الأحكام الآتية :
1- الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بما فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم علي العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة، أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقي محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
أ- الاعتداء علي الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،
ب- أخذ الرهائن.
ج- الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة،
ج- إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات من دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2- يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.
إلى الآن لم نقم بإجراء مجالس العزاء على ضحايا الإبادة الجماعية للبارزانيين على يد مجرمي العصر من البعثيين بقيادة المجرم صدام حسين وأزلامه وزبانيته وأيتام البعث لا يزالون يمجدون ذلك النظام الدموي الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الكوردي من إبادة البارزانيين وقد بلغ عددهم 8000 وحملات الأنفال والتي راح ضحيتها 182000 مواطن كوردي وجريمة حلبچة والتي استخدموا الأسلحة الكيمياوية واستشهد 5000 كوردي مدني على إثر تلك الجريمة النكراء وقتلوا الكورد الفيليين ما يقرب من 12000 شخصًا والتهجير القسري وسياسة التعريب في المناطق الكوردستانية وتدمير 4500 قرية كوردية ومسحها من الأرض واتباع سياسة التغيير الديموغرافي وتصحيح القومية أي جعل العشائر الكوردية عربًا .
وبعد تحرير العراق من نظام حزب البعث الدموي في 9 نيسان 2003 تم نقل رفات 503 شخص من البارزانيين بمراسيم رسمية وذلك في 17-18-10-2005 إلى مقبرة خاصة بهم في منطقة بارزان .
وتجدر الإشارة أن نشير إلى نجاح تجربة الحكومة الألمانية في إصدار حكم من المحكمة الدستورية العليا يقضي بحظر الحزب النازي لممارساته السياسية المناقضة للدستور فحظرت الحكومة جميع الشعارات والرموز والأغاني النازية منذ سقوط النازية إلى هذا اليوم فكل من يروج للنظام النازي سيتعرض للعقوية في ألمانيا.
على الرغم من تجريم نظام البعث المقبور وإدانته وصدور قانون بذلك إلا أن كثيرًا من الشعب العراقي لا يزالون يروجون لأفكار البعث الصدامي والتباكي على تلك الحقبة السيئة الصيت ونشر الأغاني التي تمجد صدام فالشعب يتظاهر بحب جلاده ( صدام حسين ) ويتعاطف معه وهذه مسألة نفسية فهناك تشابه بين أيتام صدام وبين متلازمة استوكهولوم وهي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف.
واليوم نرى أغلبية الشعب من دون خجل أو حياء يقوم بتمجيد النظام البعثي المقبور مبررًا سلوكياته العدوانية بسبب الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد الذين تسلموا مقاليد الحكم بعد سقوط نظام صدام في عام 2003 .
علمًا أن ممن جاءوا إلى السلطة لا يختلفون عن عقلية صدام في تعاملهم مع القضية الكوردية .
فأقترح على برلمان إقليم كوردستان أن يشرع قانون تجريم حزب البعث والترويج له ولأزلامه بأي شكل من الأشكال وعدم فسح المجال للجحوش ومسؤولي سرايا الفرسان أن يستلموا المناصب إكرامًا لعوائل الشهداء في كوردستان والمطالبة بتعويض عوائل الشهداء الذين تضرروا من حقبة البعث فنخشى أن تكون الخيانة مسألة وطنية إن لم بتم محاسبة الخونة والجحوش الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب الكوردستاني .
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن