يُقال إنه في قديم الزمان، كان هناك رجلٌ متزوج من امرأتين، إحداهما تُسمى، حانا، والأخرى، مانا، إحداهما كبيرة في السن والثانية صغيرة، وكلما ذهب الزوج إلى بيت الصغيرة أمسكت بلحيته ونزعت عنها الشعر الأبيض كي يبدو صغيراً بالسن، وعندما يذهب إلى الكبيرة أمسكت الأخرى بلحيته لتنزع عنها الشعر الأسود ليبدو كبيراً، وعلى هذا الحال لفترة من الزمن، وجد الرجل نفسه بدون لحية، فقال مقولته الشهيرة "بين حانا ومانا ضاعت لحانا".
بقلوبٍ ملؤها الأمل ينتظر الكوردي في كوردستان سوريا، الاتفاق بين الأطراف السياسية المتمثلة بالمجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، لكن يبقى العقل في شكٍّ من أمرهم، فلهم عدّةُ سوابق متمثلة باتفاقية هولير 1 و 2 ودهوك وملحقها، تلك الاتفاقيات التي ما فتئت لتُسعِد روح الكورد حتى توفيت في مهدها.
فمنذ بدايات أيار الماضي عندما تم الإعلان عن الاتفاق السياسي بين الطرفين الكورديين فيما يتعلق بالموقف من الحكومة والمعارضة السورية ومصير الكورد في سوريا المستقبل "بإشراف الولايات المتحدة الأميركية" ينتظر الكورد بدء الحوار حول القضايا العسكرية والإدارية والمالية وها قد حلّ منتصف حزيران دون تقدّم.
انقسم حزب الاتحاد الديمقراطي إلى قسمين، السياسي الذي يقود الإدارة الذاتية، بقيادة آلدار خليل الذي يخرج بين الحين والآخر ليعطي شحنةً من التشاؤم للشعب الكوردي بتصريحاته ضد المجلس الوطني الكوردي ولو بشكل مغلّف، والعسكري بقيادة مظلوم عبدي، الراعي للحوار بدعم أميركي وفرنسي.
علق المجلس الوطني الكوردي الحوار - بحسب آلدار خليل - بعد مطالبة حزب الاتحاد الديمقراطي التباحث باسم أحزاب الوحدة الوطنية الكوردية - التي تأسست مع بدء الحوار بين الطرفين - والتي هي حقٌّ يُراد به باطل، طالما أن حزب آلدار يهيمن ويتحكم بقرارات الإدارة الذاتية التي من ضمنها تلك الأحزاب، فمن المفترض أن يتم حسم القضايا الخلافية الرئيسية من ثم مشاركة كافة مكونات المنطقة في الإدارة.
ما زاد من تشتيت أمل الكوردي وتشاؤمه خروج مظلوم عبدي في 13 الشهر الجاري بتصريحات لوسائل إعلامية مقربة من جناحه السياسي يقول فيها إن "الوحدة الكوردية صعبة لأن القوى الأجنبية لها تأثير سلبي على المفاوضات" مضيفاً أن "أميركا لم تفِ بوعودها فيما يخص المنطقة الآمنة" والتي كان من المقرر انشاؤها من قبل الولايات المتحدة وتركيا، وهنا يطرح السؤال البديهي نفسه، متى كانت القوى الأجنبية تريد موقف الكورد موحداً؟، وهل من المفترض الوثوق بأميركا التي لولا مباركتها وإعطائها الضوء الأخضر، ما احتلت تركيا عفرين وسري كانيية/ رأس العين وكري سبي/ تل ابيض؟ فأميركا لن تعرّض مصالحها مع تركيا ثالث أكبر قوة في الناتو للزعزعة لأجل قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي.
في الوقت الحالي تشير كل المعطيات إلى جديّة أميركية في التعامل مع ملفات المنطقة، ومنها ملف النفوذ الإيراني والحل الشامل في سوريا وفق مسار جنيف، بعد تفشي ايران في المنطقة وهذا ما لا تقبله إسرائيل أولاً.
جيمس جيفري المبعوث الأميركي الى سوريا قال في السابع من الشهر الجاري إن "واشنطن قدّمت للرئيس السوري بشار الأسد عبر طرف ثالث عرضاً للخروج من هذه الأزمة ... إذا كان مهتماً بشعبه سيقبل العرض"، لافتاً إلى أن واشنطن "تريد رؤية عملية سياسية، من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، لكن تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة"، وكذلك إصرار الإدارة الأميركية على تطبيق قانون قيصر الذي ينص على فرض عقوبات على النظام السوري والشركات الأجنبية التي تتعامل معه، يؤكد الجدية على إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، والبدء بعملية سياسية جادة دون مراوغات، وحل القضية الكوردية لن يكون بدون الحل الشامل في سوريا، ولهذا تسعى أميركا إلى تقريب وجهات نظر الأطراف السياسية لكن باعتقادي أنها تدرك تماماً صعوبة التوافق بين الطرفين، لذا عليها أولاً العمل على فك ارتباط وارتهان حزب الاتحاد الديمقراطي لقرارات حزب العمال الكوردستاني المصنف على لائحة الإرهاب.
كوردياً، ما لم يقدم الطرفان تنازلاتٍ مؤلمة وخاصة في المجالين الاقتصادي والعسكري لن يجد الكوردي يوماً موقفاً موحداً لسياسسييه.
وكما الرجل الذي فقد لحيته بين حانا ومانا، تشتت الشعب الكوردي ما بين أول اتفاقية "هولير 1 في تموز 2012" وحوار 2020، في أصقاع العالم، وما بين الانتظار والتمني يهرول العمر إلى نهايته.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن