بعد إنقضاء أكثر من 9 سنوات على الثورة السورية التي تحوّلت إلى حرب لا طائل عليها، يمكننا القول بأنّ العقلية الإستبدادية للنظام هي التي أدت إلى تعنيف الحالة ونشوب الإقتتال الطائفي وإستشراء جائحتَّي التطرّف والتطرف المضاد الناجمتان بالأساس عن إرهاب الدولة وتمسُّك أهل الحكم بالخيار الأمني وبعسكرة الحلول وعدم الإحتكام للغة الحوار ولخيار البحث عن المسارات السلمية، ومهما حاول النظام أن يتمترس وراء الشعارات لتهويش الرأي العام وتصدير أزمته والتهرب من المسؤولية عما جرى ويجري والترويج لمقولة التصدي للمؤامرة الخارجية المداهمة للديار السورية!، فإنه لن يستطيع إخفاء الجرائم التي إرتكبتها أجهزتها القمعية في كافة أنحاء هذا البلد الذي يبدو أنه لن ينعم بالاستقرار ولن تهدأ ربوعه ما لم تحدث فيه تغييرات جذرية ينجم عنها الإتيان بكيان فدرالي لامركزي تتحقق في ظلاله التعددية والشراكة بين مختلف المكونات السورية التي ينبغي أن تحيا في رحاب الحق والقانون والدستور.
وإنّ إستنجاد النظام بجيوش دول صديقة له لمناصرته وإستقدامه لمجاميع مسلحة تابعة لحلفائه الإقليميين الذين أقحموا أنفسهم وعربدوا في طول البلاد وعرضها وإستخدموا شتى أشكال العنف الطائفي المفرط وقتلوا مئات الآلاف من المواطنين على الهوية واعتقلوا عشرات الأضعاف وهجّروا الملايين وهدّموا البنى التحتية والفوقية في معظم المدن والأرياف التي كانت عامرة بالسكان و...إلخ، قد وضع سوريا على مفترق طرق وأدى إلى إنعدام مقومات العيش المشترك بين العلويين والسنة وحتى الكرد وغيرهم من الأقليات التي لاناقة لها ولا جمل في إيقاظ هكذا فتنة طائفية وفي إشعال نيرانها التي أحرقت سوريا أرضاً وشعباً، وبما أنّ المساعي السياسية السلمية للأمم المتحدة والمحافل الدولية والمؤتمرات التي إنعقدت بخصوص الشأن السوري لم تردع النظام وحلفائه ولم تتوصل لأي حل سياسي يُذكَر حتى الحين، وبما أن هذا الحاضر الدموي السوري قد يرسم لمستقبل ملامحه توحي إلى أنّ هذا البلد قد وصل إلى حدّ هاوية التقسيم والتحاصُص بين الدول الضامِنة والمحاصِصة في آن واحد كروسيا وأمريكا وتركيا وغيرها، فإنّ إنقاذ أهل سوريا من حمامات الدم ومن شرور ديناصور الصراع الطائفي المتبادل قد بات يستوجب البحث عن الحلول بحزم وجدّية، مما يقتضي تدخلاً دولياً صارماً من شأنه إيجاد مخرج آمن لهذه الأزمة العالقة وليُصار إلى وضع أسس ومقومات جديدة لواقع سوري جديد خالٍ من صراع الأديان والطوائف والقوميات.
وبهذا الصدد فإنّ الكثير من المهتمين بالشأن السوري يراهنون حاليا على مدى نجاعة تكثيف ومراكمة الضغوط الدولية على النظام وحلفائه وإقتراب تطبيق "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" ويرون في ذلك بأنّ النظام قد يُحْشَر في خانة ضيقة وقد يضطر للكف عن دقّ الأسافين في عجلة المسار السياسي وقد يمتثل للإرادة الدولية ولقرارات مؤتمرات جنيف المنعقدة بالخصوص السوري، مما قد يضع الحصان أمام العربة وتتوقف الحروب وتجري الرياح بما يشتهيه أهل سوريا الذين باتوا ضحايا منكوبين بالجملة.
ولعلّ من نافل القول هو التذكير بأنّ قانون قيصر الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي ووقّع عليه الرئيس الأمريكي والذي يبدو أنه بات قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ على أرض الواقع، سيستهدف النظام السوري وسيحمي السوريين وسيفرض عقوبات إقتصادية صارمة على كل الذين قدموا ويقدمون الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام سواءّ أكانوا أفراداً أو شركات أو دول، وذلك بجريرة وحجة أن المساعي الدولية التي جرت حتى الآن كانت غير كافية لإذعان النظام ولحماية المدنيين السوريين الذين أضحوا يعانون من القتل والتشريد والضياع ومن مختلف الويلات والبلاوي.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن