ربما يستطيع مزور أو كذاب تمرير بعض المعلومات وتشويهها لمآربه حينما يتحدث في التاريخ العميق تزويرا أو تشويها أو كذبا،( لكنه أن يفعل ذلك ) عن أحداث مشهودة لم يتجاوز زمنها المنصرم أكثر من سنتين، فتلك ورب الكعبة واحدة من أخزى ما يميز بعض من يحكم هذه البلاد المفجوعة بقيادات أدمنت الكذب والافتراء، إضافة إلى الفساد والإفساد وأوصلت البلاد إلى أدنى مراتبها حيث غدت أفشل البلدان وأتعسها معيشة!
قبل سنتين ونيف خرج علينا رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، مدعياً الانتصار الكلي على الإرهاب واعتبر عملية إخراج مسلحي داعش من مدينة الموصل وتدميرها على سكانها انتصاراً كبيراً وعيداً وطنياً، ولم يكُ يعرف الكثيرون بأنه يعد سيناريوهات وتحضيرات في نهاية دورته لكسب ناخبين جدد لولاية الثانية، خاصة وأنه فشل فشلاً ذريعاً في وعوده بالقضاء على الفساد والفضائيين العسكريين والمدنيين، وتدهورت أوضاع السكان اقتصادياً وأمنياً أكثر مما كانت عليه. بعد سنتين من إعلانه النصر المزعوم على الإرهاب عادت داعش ترتع في الصحراء الغربية وباديتها وتعيد تنظيم خلاياها، بل إنها باشرت بعمليات مطابقة لتلك التي كانت تنفذها قبل حزيران 2014م، وأصبح المشهد اليوم أكثر وضوحاً ويؤشر لأبواب مرحلة جديدة، خاصة وأن الأهالي في كل المدن المدمرة بسبب إخراج عناصر داعش منها يعانون الأمرين من الوضع المتردي الجديد.
أما في كركوك التي تحدث عنها السيد العبادي مؤخراً، وأطلق بالوناً لا يقل عن بالونه بإدعاء الانتصار والقضاء على الفضائيين والمفسدين، حيث قال في برنامج تلفزيوني بُثَّ مؤخراً، بأنه لم يسقط في أحداث أكتوبر 2017م التي اجتاحت قواته مدينة كركوك أي قتيل ولم تنزف قطرة دم واحدة، في واحدة من أبشع عمليات خرق الدستور العراقي باستخدام القوات المسلحة لحل الإشكاليات مع الإقليم، خاصة وأنه يدرك جيداً لولا فعل مجموعة أكتوبر الخارج عن السرب الكوردستاني في تسهيل دخول تلك القوات، لما حصل كل الذي حصل، والغريب بهذا الرجل إنه يعلن ذلك أمام مرأى ومسمع الملايين، وينسى أو يتناسى مئات القتلى والشهداء الذين فقدوا أرواحهم بعد تلك الليلة التي عقدوا فيها اتفاق اجتياح كركوك بقيادة خبراء من دولة أجنبية لاحتلال المدينة وبقية المناطق المستقطعة من الإقليم، بل وتهديد العاصمة أربيل باحتلالها وإسقاط النظام الفيدرالي وإقليم كوردستان وتسليمه لمجاميع من الذين نفذوا له حملته الانتخابية في تمثيلية اجتياح كركوك، لكن معارك بردي ( التون كبري) وسحيلة ومخمور التي أعقبت ذلك الاجتياح، كانت ملاحم عظيمة للبيشمركة أوقفت ذلك الزحف باتجاه إسقاط فيدرالية كوردستان، ولعلنا نتذكر جيداً بطولات العشرات من الشهداء الأبطال الذين استشهدوا في تلك المعارك ونقشت أسماؤهم بأحرف من نور، وفي مقدمتهم اللواء وحيد باكوزي والعميد عمر بوصلي والعقيد صباح ابراهيم والعقيد غازي دولمري والمقدم أزاد احمد محمد والكثيرون غيرهم.
ويعلم العبادي وغيره أنه من يريد أن يعبث بأوراق تاريخ وأحداث ما تزال رائحة الدم تفوح من طياتها، عليه أن يدرك بأن احتلال كركوك ما كان سيتحقق لولا ذلك الفعل القبيح الذي حِيك تحت جنح الظلام بتوجيه أجنبي سهل في دس قواته وعسكره إلى مدينة كانت مثالاً للأمن والسلام والتعايش بين المكونات، فتحولت بعد اجتياحها إلى مدينة بائسة يعبث فيها الإرهاب والسلب والنهب والخوف والرعب بكل أشكاله من داعش وغيرها ممن يقلدها في السلوك والتصرف، والعجيب إنه يصر بأن شخصاً واحداً لم يُقتل لا من قواته ولا من البيشمركة، وهو يعرف جيداً إن مئات الأمهات الثكالى ومثلهن من الأرامل الذين فقدوا أزواجهم في معارك التون كبري وسحيلة ومخمور، وبالتأكيد هناك العشرات في الطرف المقابل من البيشمركة الذين فقدوا حياتهم دفاعاً عن الإقليم وشعبه، ولا يتسع المقال لنشر قوائم بأسماء وتواريخ استشهاد أولئك الأبطال الذين يفندون أكاذيب من أراد أن يقلد علي كيماوي فعاقبه الشعب وطرده خارج دائرة الحكم والقرار.
وصدق من قال إن الشمس لا تغطى بغربال، فإذا كانت هذه الأكاذيب تسوق في ظرف تكاد أن تعود فيه المياه إلى مجاريها بين بغداد وأربيل فأن واقع الأحداث وأفعال الرجال وشهودها وحقائق الأمور لا يمكن تزويرها في برنامجٍ تلفزيوني.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن