Erbil 23°C الثلاثاء 15 تشرين الأول 22:28

الكورد الفيليّون.. محاولة في فهم أصلهم وفصلهم

د. بُرهـان شـاوي

الكورد وليس الكرد

من الشائع في الكتابة العربية أن يُكتب اسم الشعب الكوردي ب(الكردي) بحذف (الواو) والاستعاضة عنها ب (الضمة)، أو لفظ الاسم ب(كسر الكاف) وذلك اعتمادًا على (لسان العرب) الذي يذكرهم بالضم، وينسبهم إلى اليمن، أو اعتمادا على سليقة بعض اللهجات العربية. وقد جاء في شرح معنى لفظ (كرد) في (لسان العرب) ما يلي:

الكرد: الكَرْدُ: الطَّرْدُ. والمُكارَدَةُ: المُطارَدَةَ. كَرَدَهُمْ يَكْردُهُم كَرْداً: ساقَهم وطرَدَهِم ودفَعهم، وخص بعضهم بالكَرْدِ سَوْقَ العَدُوّ في الحَمْلَة. وفي حديث عثمان، رضي الله عنه: لما أَرادوا الدخول عليه لقتله جعل المغيرة بن الأَخفش يَحْمِلُ عليهم ويَكْردُهُم بسيفه أَي يَكُفُّهم ويطْردُهُم. وفي حديث الحسن وذكر بيعة العقبة: كان هذا المتكلم كَرَد القومَ قال لا والله أَي صَرَفَهم عن رأْيِهِم وردَّهم عنه.

والكَرْدُ: العُنُقُ، وقيل: الكَرْدُ لغة في القَرْدِ وهو مَجْثم الرأْسَ على العنق، فارسيّ معرّب. والحقيقة في الكْرد، أَنه أَصل العُنق. وفي حديث معاذ: أنه قَدِمَ على أَبى موسى باليمن وعنده رجل كان يهوديّاً فأَسلم ثمَّ تَهَوَّد، فقال: والله لا أَقعُدُ حتى تضرِبوا كَرْدَه أَي عنقه والكُرْدُ: الدَّبْرَة، فارسي أَيضاً، والجمع كُرُودٌ، والكُرْدة كالكُرْد. والكُرْد، بالضم: جيل من الناس معروف، والجمع أَكراد.
والكِرْدِيدةُ: القِطْعَة العظيمة من التمر، وهي أَيصاً جُلَّةُ التمر.

إلا إن حقيقة لفظ (الكورد) لا تعود لجذر الكلمة العربية (كرد) وأنما للفظ غير عربي أصلا، لفظ (سومري) هو جذر ومبنى لفظ الكلمة ألا وهو ال(كور). وال(كور) كلمة سومرية تعني (الجبل)، ومن اشتقاقات النسب في السومرية، كما جاء في بعض المصادر، إضافة الياء أو الدال والياء أحيانا. بحيث يكون معنى لفظ (كوردي) بالسومرية هو (الجبلي)، وهي التسمية التي كان السومريون يطلقونها على سكان الجبال المجاورة، والحضارة المجاورة التي تسمى تاريخيا ب(الإيلامية) أو (العيلامية) كما تذكر بعض الكتب.

ومن هنا فان لفظ (كوردي) هو سومري الأصل، وقد جاء ذلك في بعض الرقم والوثائق السومرية التي تعود للألف الرابع والثالث قبل الميلاد.

سكان الجبال الكورد

في ‌أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع والفلسفة من جامعة برلين الحرة في العام 1978، ذكرت الباحثة الألمانية (هانالوره كوخلر)، معتمدة على مصادر علمية وتاريخية عديدة، بأن أول ذكر للفظ ( الكورد) جاء في بعض الرقم والوثائق السومرية في الألف الثالث قبل الميلاد. 

كما يذكر العالم (جودفري درايفر) في كتابه ( وثائق ملوك سومر وأكد) الصادر باللغة الأنكليزية في العام 1923، بأن تلك الوثائق والرقم الطينية تذكر شيئا عن (بلاد الكورد) وبنفس اللفظ تقريبا. وقد أكد المستشرق الروسي (مينورسكي) على ذلك أيضا، وقد جاء لفظ(كوردا)، كما يؤكد كل من (درايفر) و(مينورسكي)، في رقم آخر من الألف الثاني قبل الميلاد يتحدث عن سكان الجبال المجاورة، وبالتحديد يتحدث الرقم عن حرب الملك السومري (تيغلاث بيلسر) مع ال(كور – تي – ن) في منطقة الجبال المجاورة.

مثلما يرد ذكرهم بهذه التسمية في وثائق الألف الأول قبل الميلاد، ثم في النص الأغريقي (آنابازيس أو رحلة الألف ميل) المكتوب في حوالي 400 سنة قبل الميلاد من قبل الكاتب الإغريقي (زينوفون). كما ورد ذكرهم في المصادر القديمة تحت ألفاظ مقاربة مثل: (كوردايا، كوردوين، كاردو، كاردا، كورداواي، كارتاوايا، كوردي). وقد أكد على ذلك المستشرق الروسي (بيتر ليرخ) في كتابه (بحوث حول الكورد ) الصادر في العام 1858 في مجلدين بسانت بيتربورغ.

وقد أورد العالم الكوردي الجليل (محمد أمين زكي) العديد من هذه الآراء، وأخرى لا تختلف عنها في كتابه المهم (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان)الذي صدر بالكوردية في العام 1931 وترجم إلى العربية في العام 1939. لكن، وللأمانة التاريخية، فأني وجدت في إحدى هوامش كتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) للعلامة الكوردي الجليل (محمد أمين زكي) إشارة مهمة أيضا تؤكد بأن لفظ (كوه) في اللغات الآرية واللغة الجركسية تعني (الجبل). وإذا ما ربطنا هذا الاستنتاج ببعض الآراء حول أصل السومريين بأنهم نزحوا من منطقة (الكو - كاس)، فهذا يعني بأن اللفظ ربما جذره آري – سومري.

وبعيدا عن التوغل التاريخي في بحث أصل الكورد، فأن لفظ ( كورد) هو ما تم تناقله عن السومريين الذين كانوا يقصدون بلفظ ال(كوردي) بما معناه اليوم ال(جبلي)، من حيث إن لفظ (كور) في السومرية يترجم اليوم الى (الجبل) بالعربية.

وبرغم أن اللغة السومرية قد انقرضت منذ آلآف السنين، إلّا إن بعض مفرداتها لازالت حية في اللغة الكوردية الجنوبية، وفي لفظ (الكورد) نفسه، فلازالت اللغة الكوردية تضم أكثر من لفظين للجبل، أحدهما هو (جيا) الشائع في كوردستان اليوم، والثاني هو (كو) بحذف (الراء)، حيث تسمى المناطق الحدودية بين العراق وإيران اليوم ب(بيشت كو) و(بيش كو)، أي (ماوراء الجبل) و(ما قبل الجبل). بل وبقيت هذه اللفظة في اللغة الفارسية أيضا حيث تلفظ (كوه). وبالتالي فان جذر الكلمة هو(كور) وليس (كرد) كما جاء في معجم (لسان العرب)، وعليه فان كتابة الاسم (كوردي) هي الأسلم تاريخيا وليس( كردي)، ووطنهم هو (كوردستان) وليس (كردستان).

ولكن الاعتماد على لفظ (الكورد) السومري أو الآري الذي شاع في تسمية الشعب أو الشعوب التي عاشت في منطقة جبال زاغروس المجاورة في نفس الحقبة السومرية قبل ستة آلاف الى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد لا يجيب عن السؤال: من هم هؤلاء الذين كانوا يسكنون الجبال المجاورة؟ وماذا كان اسمهم الحقيقي؟ وماذا كانو يطلقون هم على أنفسهم؟. فبعض العلماء والباحثين يجدون بعض الصلات والتداخلات بين السومريين وسكان جبال زاغروس.

الإيلاميّون السومريون واللور

الباحثة الألمانية (باربارا غوتمان) تؤكد في بحث لها بعنوان( لورستان الغارقة في القدم) بأن الحديث عن أول شعب سكن منطقة جبال زاغروس الفاصلة بين بلدان إيران والعراق وتركيا اليوم يكاد يكون لغزا محيرا، لاسيما وأن الآثاريين والمنقبين قد عثروا على حلي وقلائد وأدوات تعود للألف السابع والألف الثالث قبل الميلاد. وتؤكد الباحثة بأن كل الدلائل تشير إلى أن هذه المنطقة كانت شهيرة في الأزمنة القديمة بتربية الجياد، كما كانت هذه المنطقة شهيرة باكتشاف البرونز واستخراجه وصناعته. وقد تاثرت شعوب وادي الرافدين بذلك فأخذته عنهم ثم طورته أكثر. لكن برغم كل التنقيبات والمكتشفات الآثارية فأن أصل هذا الشعب وديانته غير معروفة، فهو قد سبق هجرات الآريين إلى منطقة إيران والهند والتي خرج عنا الميديّون والفرس.

بيد إن الوثائق التاريخية تشير أيضا إلى أن أحفاد هذا الشعب ما زالوا في منطقة لورستان وخوزستان الحاليتين، أي هم أحفاد الإيلاميين أو (العيلاميين)، الذين كانت لديهم حضارة عريقة تمتد على طول جبال زاغروس، وهم الذين احتلوا بلاد سومر لقرون عديدة، برغم ان بعض المباحث التاريخية تخمن وجود علاقة قرابة وتداخل نسب ووشائج لغوية بينهم وبين السومريين.

ويبدو أن الإيلاميين الأوائل الذين تحدثت الباحثة (باربرا غوتمان) وقبلها (صموئيل هنري كوك) و ( صاموئيل نوح كريمر) و(جورج رو)، بأن الذين عاشوا في الألف السابع قبل الميلاد كانوا يطلقون على أنفسهم اسم (الهيتي)، ومن هنا فالكثير من الباحثين يسمون الإيلاميين القدماء بالهيتيين. وقد تداخل هؤلاء (الهتي) مع النازحين الآريين في الألف الرابع والثالث والثاني  قبل الميلاد من منطقة (الكو – كاس)، أو القفقاس الحالية، ليشكلوا حضارة إيلام وسومر فيما بعد، بل إن الكثير من الباحثين الأوربيين والشرقيين أمثال: مينورسكي، نيكيتين، كريمر، سن مارتن، نورمان، فليانوف زرنوف، طه باقر، جورج رو، جمال رشيد، وغيرهم يذهبون إلى أن السومريين هم من الشعوب الآرية التي نزحت من منطقة القفقاس الحالية، وأننا لو أردنا ان نبحث عن بقايا اللغة السومرية وتشكيلاتها، ومفرداتها، فعلينا أن نتفحص اللغة الكوردية والفارسية والهندية والسريانية لأنها تضم الكثير من الكلمات السومرية.

وقد حاول بعضُ الكتاب والباحثين المعاصرين من الكورد وغيرهم تتبع هذا الأمر أمثال: إبراهيم باجلان، عباس سليمان إسماعيل والباحثان د. سامي سعيد الأحمد و د. رضا جواد الهاشمي في كتابهما القيم (تاريخ الشرق الأدنى القديم) وغيرهم.

بعض المصادر تشير إلى ان منطقة (الإيلاميين) القدماء كانت، لو تأملناها اليوم، تمتد من خوزستان جنوبا مرورا بلورستان ووصولا إلى مقاطعة كوردستان وحتى حدود آذربيجان. غير أن الشعوب والقبائل، التي تداخلت فيما بعد في هذه المنطقة، قد شكلت دولا وإمارات وحضارة لم تكن غريبة عن بعضها من الناحية النسب والقرابة والتداخل الديني واللغوي.

البحوث التاريخية والآثارية تشير إلى أن منطقة جبال زاغروس شهدت تداخلًا بين شعوب عديدة كانت متجاورة أحيانا، وأحيانا أخرى متتابعة، فالمصادر التاريخية تشير إلى شعب (اللولو) أو (لولوبوم) كان يقطن في سهل شهرزور ومنطقة السليمانية الحالية. كذلك شعب(الكوتي) الذي تطلق عليه الكتب العربية اسم (الكوتييون)، والذي استولى على بلاد (سومر) ثم على (سومر وأكد) حوالي 2649 ق.م. فحكموها لمدة 125 عاما.

كما تشير وثائق بلاد الرافدين وبالتحديد (جدول الملوك)، الذي اُكتشف في (نيبور)، إلى أسماء واحد وعشرين ملكا من الملوك (الكوتيين). بل إن المستشرق (هول) يذكر في كتابه (تاريخ الشرق الأدنى القديم)، وفي جدول الملوك القدماء، إلى أن الملك (آننا توم) هو اول الملوك الكوتيين الذي حارب (الإيلاميين) في القرن الحادي والثلاثين (3100) ق.م. كما يذكر أيضا بأن (الكوتي) قد استولوا على بلاد (أكد) ونصبوا أنفسهم ملوكا عليها، وكان (كودي باتيس) ملكا على (لكش)، من حيث إن (باتيس)تعني بالسومرية (الملك)، واسمه يعني(الملك الكوتي).

كما يشير الباحث (سبايزير) في كتابه (شعوب ما بين النهرين)، عند تحليله لجدول ملوك سومر وأكد بأن هناك الكثير من الأسماء المتشابهة بين السومريين والكوتيين، لاسيما بعد استيلائهم على بلاد (أكد). إلا أن سيطرتهم انتهت عندما دحرهم ملك (أور) في 2524 ق.م. فاضطروا الرجوع إلى جبال زاغروس، لكن عندما أغارت عشائر (الكاساي)، التي كانت تسكن تلك الجبال أيضا، على بلاد (بابل) كانت تلك العشائر معها أيضا.

ويؤكد (سبايزير) بأن عشائر (الكاساي – كوسي- كوشو) كانت تسكن في منطقة (كرمنشاه) الحالية، وهم من السكان الأصليين لتلك الجبال وليسوا من الشعوب المهاجرة. وأنهم مع مرور الزمن نزحوا عن الجبال شيئا فشيئا واستوطنوا الضفة اليسرى من نهر دجلة شرق (بابل) وأخذوا يمارسون الزراعة، وكان الأكديون يطلقون عليهم اسم (كاشو)، كما جاء ذكرهم في العهد القديم باسم (الكوش). وقد استولى هؤلاء في القرن الثامن عشر قبل الميلاد على (بابل) فاحتلوها وحكموها أكثر من ستمائة عام إلى أن قضى (سنحاريب) على دولتهم في القرن السابع قبل الميلاد، فعادوا الى جبال زاغروس والى (لورستان) الحالية.

ويشير المستشرق (راو لينسون) بعد دراسته للآثار القديمة المكتشفة في منطقة (سوس) بإقليم خوزستان بأن شعب (الكاساي – كاشو-  الكوش) كان موجودا في عهد الدولة الرومانية وحتى فيما بعد الميلاد، وأن موطنه هو (لورستان).

ويشير المستشرقان (سبايزير) و(هرزفلد) إلى أن عشائر (كاساي أو كاشو - كوش) كانت أيضا ضمن دولة العيلاميين، إلا إن العلامة (محمد أمين زكي) يشير إلى أنه برغم عدم وجود أية مشابهة لفظية بين لفظ (كاساي – كاشو – كوشي) ولفظ (لور– لر)ـ إلا أنه ليس بالبعيد من أن لفظ (لور – لر) كان يطلق في باديء الأمر على فرع من شعب الكاساي، ثم صار عَلمَا لجميع قبائل تلك المنطقة، على الرغم من أن المستشرق (سبايزير) يذهب إلى أن لفظ (لور – لر) قريبة من لفظ (لوللو).

علما، أن المؤرخين العرب أمثال (الاصطخري) في كتابه ( الأقاليم) و(ياقوت الحموي) في كتابه الشهير(معجم البلدان)، وهما من القرنين العاشر والثاني عشر ميلادية، يذكران (اللور ولورستان) في كتابيهما حيث يذكر (الاصطخري) بأن (لور أو اللور) مدينة أو محل اشتهر جيل من الناس باسمها. أما (ياقوت الحموي) فيقول في مادة (اللور) بانهم قوم من الأكراد يسكنون الجبال الواقعة بين إقليم خوزستان وإقليم أصفهان ويطلق على موطنهم هذا اسم (لورستان) أو (بلاد اللور).

الكورد الفيليّون

يشكل الكورد الفيليّون أحد مكونات الشعب الكوردي الجوهرية والأساسية. وقد تضاربت آراء الباحثين والأكاديميين حول تحديد هويتهم وتحديد أصل تسميتهم ب(الفيليّن). فالمستشرق الروسي المعروف (فلاديمير مينورسكي)، ويؤيده في ذلك كل من : (جون مالكولم)، (براون) والباحث الكوردي (د. إسماعيل قمندار)، يعتقدون بأن البدايات الأولى لظهور مصطلح (فيلي) كان في القرن السادس عشر، حيث اُستخدمت هذه اللفظة للتمييز بين إمارة (اللر الصغير) وحكامها الذين يعتبرون أنفسهم اللر الحقيقي والفعلي( الفيلي)، مقارنة ب(اللر الكبير)، الذين يحسبون كامتداد لهم وليس الأصل. معتمدين على أن تطور وتحول لفظة (فعلي) نحو (فيلي) ينسجم مع القوانين العامة في معالجة الأحرف والمفاطع الصوتية الأجنبية في لهجة اللور الصغير. وعلى الرغم من أن هذا المصطلح لم يستخدم في تلك المناطق إلا نادرا، بينما صار يستخدم في القرن التاسع عشر للإشارة إلى سكان منطقة (بيشتكو) فقط، علما أن استخدام هذا المصطلح حتى من قبل سكان (بيشتكو) حاليا لا يطلق إلا على كورد هذه المناطق الذين صاروا ضمن حدود الدولة العراقية بعد ترسيم الحدود بين إيران والعثمانيين في العام 1905، مع أن سكان خانقين ومندلي، وهم من الأكراد الجنوبيين، لا يستخدمون هذا المصطلح للتعريف بأنفسهم. كما أن هذا المصطلح يستخدم لتمييز هذه الشريحة من الكورد من الناحية (المذهبية) فقط، من حيث أنهم من شيعة أتباع المذهب الجعفري.

وهناك آراء لباحثين عدة ( منهم الباحث الراحل نجم سلمان مهدي) تعود بأصل هذا المصطلح إلى إنه مشتق من اسم الملك الإيلامي – العيلامي ( بيلي) الذي أسس سلالة باسمه في (إيلام) حوالي العام 2670 ق.م. وإن اسم (بيلي) تحول بمرور الزمن إلى (فيلي) من خلال تحول (الباء) إلى (فاء) على غرار تحول اسم (بارس أو بيرس) القديم إلى (فارس وفرس) حاليا.

وهناك عدد من الباحثين والأكاديميين( منهم حيدر ايزد بناه، خسرو غوران، د. حامد عيسى محمود و عبد الرحمن مزوري) يؤكدون بأن جذور كلمة (فيلي) تعود إلى زمن الميديين (884 – 550) ق.م. 

كما يؤكد الباحث اللغوي والتاريخي الإيراني (د. محمد معين) في كتابه(المعجم الفارسي) بأن الشعب الميدي كان يعرف تاريخيا ب(بهلة – بهلو) ثم صار هذا المصطلح يطلق حصرا على أرض الماديين أو الميديين. كما يؤكد بأن هذه بان هذا المصطلح استمر حيا حتى في زمن الساسانيين (224-652)م، إذ إن بعض أسرهم النبيلة تحمل لقب( بهلو) للدلالة على رفعة مستواها. بل ويذهب (هنري فيلد) و(عبد الرحمن مزوري) أبعد من ذلك، حينما يقارنون مفردة (بيلي) باشتقاقها السومري الذي يعني (الشجاعة والبسالة) وهو نفس معنى كلمة (بهلوان)، وفق تفسيراتهم ومقارنتاتهم اللغوية لملحمة الشاهنامة للفردوسي.

وجاء ذكر (بهلة) كمنطقة جغرافية في المصادر العربية لأول مرة في القرن العاشر الميلادي في كتاب (مختصر تاريخ البلدان) لابن فقيه الهمداني، إذ يشير بأن هذه المنطقة تضم : همدان، ماسبن (إيلام)، سمرة (درهشهر)، ماه البصرة (نهاوند)، ماه الكوفة (دينور)، وكرمنشاهان. كما أن (ابن النديم) في كتابه (الفهرست) يذكر هذه المدن نفسها تقريبا وينسبها لمنطقة (فهله)، مثلما يذكر (الطبري) في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) بأن (الفهلو) هم أهل كورة الجبال.

ويرد ذكرهم في ملحمة (الشاهنامة) للفردوسي كطائفة معروفة في تاريخ إيران، كما يؤكد الباحث (عبد الرحمن مزوري) بأن الفردوسي يستخدم لفظ (بهلو) بمعنى الجبل أيضا، ولاشتهار سكان الجبال بالإقدام والشجاعة فقد أخذت هذه الكلمة تعطي معنى الشجاع، ولربما من هنا أشتق لفظ (بهلوان) في اللغات الكوردية والفارسية والأوردية. كما أن لفظ (بيلي) يعني بالسومرية الشجاع والباسل أيضا.

وبعيدا عن الغور الأكاديمي في البحث عن أصل كلمة (فيلي)، نستنتج مما تقدم بان الكورد الفيليين هم سكان أقصى الجنوب من كوردستان، وبالتحديد منطقة (بيشتكو) و(بيشكو) وهم وحدهم المقصودين بهذه التسمية. وصارت ذات دلالة مذهبية أكثر مما هي سمة قومية.
    
 

الأخبار

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.