لو إننا استعرضنا قصة الدولة العراقية الحديثة (١٩٢١)من عام تأسيس حزبنا الديمقراطي الكردستاني سنة١٩٤٦ أي بمقدار جيل كامل بين التأسيسين- مع ان حركتنا السياسية الكوردية تسبق تاريخ تأسيس الدولة، لكني أقرن التاريخين من باب تقييمنا لمسار احداث تلك الفترة التي كان العراق فيها ملكيا و هو وضع قد يتحسر عليه كثر من المعايشين لتلك الحقبة او الذين يقارنون زاوية الانحدار التي مالت مع كل تبدل، فذلك مدعا ملحا لوضع الحقائق في مكانها بدل مراكمة الغرور أو قلة الخبرة التي تخرج على شكل تصريحات و خطابات زادت مساحة خوائها كلما نزل التاريخ من الخمسينات إلى جمهوريات من الخمسينيات إلى الألفية الحالية.
قد يعتب يساريون من أنصاف قسم من توجهات نوري السعيد أحد أبرز موجهي النظام الذي كان في طور النمو و بدايات العطاء قبل ان يباغت بدبابات ١٩٥٨ لتبدأ الجمهوريات، لكن ماهي محصلات كل ذلك التبدل المتكرر، التبدل الذي كان يفرز دساتيره التي تعني جمهوريات جديدة؟
من وجهة نظرنا و نحن أمة في هذا الوطن الذي صنعت حدوده الأفكار السياسية التي تسيدت المشهد الدولي مجمعة لأراض و من عليها ضمن كيانات تنظيمية أعدتها الدوائر الدولية، سيكون حقا لنا بل لازما ان نضع تصورا واقعيا لما سيكون عليه حال حقوقنا في تكرار توجه داخل نظام سياسي غير مستقر.
قبل كل هذا فمعروف قانونيا ان الدولة ليست الحكومة بل الحكومة جزء الدولة التنفيذي، لكن ثمة توجهات تزيل حكومة و ثمة توجهات تزيل دولة، و التاريخ مزدحم بالمزال من الحكومات و من الدول مثلما هو مزدحم بقوى داخلية وطنية أو انقلابية لإزالة حكومات و قوى خارجية في الأغلب و أضخم تزيل دولا.
حتى الدول التي تعتمد الدين هوية لها أخذت تغير من التشدد الذي يطغى بين زمن و زمن لفهمها ان العقيدة الروحية لا يمكن فرضها بالإكراه، فكيف بعقائد فرعية او مختلقة؟
قد يرى قسم من الناس ان تخريجة عذر المؤامرة شافيا لجواب سؤال سر عدم الاستقرار، وأقول ان كل كيان غير بعيد عن إمكانية التأمر عليه، لكن حديث التأمر يطول مع وجود عوامل تنمي هذا التوجه وعلى رأس ذلك افعال النظام نفسه واقصد النظام الذي يشيع انه يتعرض لمؤامرة بغية التغطية على توجهاته و اهتماماته التي تكشف لك تورطه في افعال تدفع لاستهدافه داخليا أو خارجيا أو كليهما.
أي نظام يجلب العزلة على نفسه هو نظام يكتب وثيقة انتحاره خاصة أن كان مفرغا من عوامل الاستثناء عن الاخرين، فدولة لا زراعية و لا صناعية ليس لها ان تجاهر او تعمل بالخفاء ضد مسار المجتمع الدولي.
ان الإحاطة بالتوجه الدولي هو أساس في تقديم الذات (ذات الدولة) ضمن صناعة الحياة بكل جوانبها و هذا امر ظهر فيه التراجع منذ سنة ١٩٥٨، حيث ان المجتمع الدولي لم يكن ليرضى بعسكرية يسارية او مدعية و لو صوريا باليسارية و أنا هنا افهم ان الامور لا يحكم عليها الا بأحكام وقتها.
بعد ذلك ذهب التوجه العراقي ليكون ضمن جناح قومي غير مكتمل و هو حتى لكان اكتمل لرفضه المجتمع الدولي الذي لم يكن يرتاح للكتلة التي جمعت بين مصر و سوريا و العراق وهي كتلة تفككت سريعا بسبب التوجهات و الممارسات غير المنضبطة من أعضاء في الكتلة نفسها.
تكرر التوجه مع تجربتي ١٩٦٨ و ١٩٧٩ في جمهورية العراق التي تبدلت في ٢٠٠٣، ومحلاتها الأضخم هي الحروب التي فتحت الابواب أمام الجهل و الفقر و التشدد.
شخصيا أنا ممن يرتبط بصداقات مع سكان أقصى مناطق الجنوب و الغربية و الوسط في العراق وهم يرصدون التوجه الذي عنونت به المقال، فهم يشكون صادقين و قد شكى أسلافهم قبلهم من أمور تدخل في حقيقة المواطنة و حقوقها، فقد ساقوا آباءهم قبلا لحروب كارثية استهلكت الدم و المال بلا طائل، فجنوا اليتم و العوز، و دفعوا دفعا للإرتقاء بين عدم المبالاة أو الكراهية، او محاولة تقليد المتسلط باللجوء لتشكيلات سرية هي في الأغلب وفي منطقتنا تكون بهوية دينية حيث يستفيد نفر من الروح السمحة للدين لتنمية سلطة لا أفعالها و لا نتائج أفعالها من الدين في شيء.
التوجه الذي تتسع فيه مقابر ضحايا التناحر و يكرر أمراء الحروب فيه أنفسهم بعناوين تحتقر وجود الناس و أرواحهم و بوجود دعاية تبتدع الخطابات و الأوهام و تخيط مراحل التاريخ لتمجد صورا من الخيال، غير ميالة للتفكير بطبشور أو مقعد دراسة أو سرير في مشفى او٦ معتقل بلا حقوق أو تسأل نفسها عن خيم مهجر أو نازح، مثل هذه العناوين هي بنات لتوجه متكرر، توجه لم يأخذ من أخلاق رجالات أمة الإسلام المبجلين خلقا، و لا من فكر الإنسانية عبرة، وإنما أخذ بفكرة قديمة- كانوا يذمونها قبل الآن- وهي فكرة تجري…
فاضل ميراني
سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن