إن العوامل الداخلية في عدم تحقيق الطموحات القومية المشروعة كانت سببا في استدامة النضال لمائة عام ، وتعد من أقوى الأسباب وأكثرها إيلاما على الشعب وما زالت مع الأسف تحول دون ذلك، بل هي أكثر تأثيرا من العوامل الخارجية، قد يتصور بعضهم بأن العوامل الخارجية ربما أقوى .
أقول نعم لأن هذا العوامل تقوى إذا كانت الجبهة الداخلية لأية أمة ضعيفة ومفككة ومترهلة، من هنا تتولد نظرية الاستقواء للعوامل الخارجية، فأن الخلل يكمن في بعض رموز الأحزاب والتيارات السياسية والدينية وخونة القضية الكوردستانية ... وقد شاهدنا كيف أنيبت بعض الأحزاب السياسية في إقليم كوردستان في إثارة الاحتجاجات الأخيرة بحجة الرواتب، ولاحظنا كيف حزب العمال الكوردي التركي كيف استخدم السلاح دون مسوغ أخلاقي، ضد أبناء جلدته والذي استشهد من جرائه شهداء عدة، وكلنا شهود العصر على الأحداث التي أعقبت 16 أكتوبر، ودخول الميلشيات الى كركوك وغيرها الكثير .
كل هذه العوامل أحدثت شرخا لا يلتأم في الجسد الكوردستاني، لو تحدثنا عن خروقات للجبهة الداخلية الكوردستانية عبر مائة لوجدنا مثيلاتها الكثير، ليس بالضرورة أن تكون خيانة وتعامل مع الأعداء فحسب، ولكن عدم الاستجابة لتوحيد الصفوف تعد مثلبة كبيرة في هذه الجبهة الداخلية وهي أقرب إلى الخيانة العظمى .
على سبيل المثال لا الحصر، حينما توجه القيادة العسكرية والسياسية نداءً الى المواطنين الكورد، بالالتحاق بجبهات المعارك دون استجابة، تشكل نقطة سوداء في جبين الجبهة الداخلية.
إن التنافس بين الأحزاب السياسية والدينية على النفوذ والمناصب والقيادة ،دون اعتبار للعمل الديمقراطي والانتخابات الحرة ورأي شعب كوردستان، يعد خروجا على الإجماع المجتمعي الكوردستاني، فالحزب الديمقراطي الكوردستاني وبقية الأحزاب تنتهج في نظامها الداخلي، نظام الانتخابات، وهي أدرى بهذه الممارسة الحضارية.
اذاً على ماذا هذا التنافس غير المشروع لتبوأ المناصب العليا في إقليم كوردستان، فالذي يحصل على أعلى المقاعد تتكون له استحقاقات انتخابية في أعلى المناصب وفق قانون الانتخابات النافذ، فأن التنافس المشروع داخل الساحة الجماهيرية ومع الناخبين خصوصا أن الانتخابات تجري في أجواء طبيعية ونزيهة، بالرغم من الطعن فيها من الخاسرين أو الذين يحصلون على المقاعد المتدنية، وأن التهمة بالتزوير تكون جاهزة في جيوب الخاسرين، إذا كانت هنالك حالات من عمليات التزوير، فالقانون أعطى حق لكل الجهات والأشخاص من المرشحين الطعن بها أمام اللجنة العليا للانتخابات والقضاء، لا يصح العبث بإرادة الشعب وفق المصالح الضيقة للأحزاب والتيارات الدينية، شعب كوردستان بحاجة الى التكاتف والتضامن، من أجل مواجهة التحديات والمؤامرات الخارجية على تجربته الرائدة في إقليم كوردستان التي ينبغي الاقتداء بها.
فأحسن وسيلة لجميع الأحزاب هي المنافسة الحرة النزيهة، دونما شكوك واتهامات فلا للخلافات العقيمة، ولا للاقتتال الداخلي الذي ينهي كل مقومات المطالبة بالحقوق المشروعة لعموم الكورد في المنطقة، ألا يكفي الانشقاقات وجني المصالح وعبادة الدولارات، بعد أن مضى على كفاح شعب كوردستان مائة عام، وهي أطول مدى لحركة التحرر الوطني في التاريخ المعاصر، دون أن ينال الشعب حقوقه التي أقرتها القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة .
فالأحزاب الكوردية في سوريا نجدهم مختلفون دون اتفاق في خضم المعارك الطاحنة، بعضهم مع تركيا، التي تحتل أجزاءً واسعة من كوردستان سوريا، والبعض الآخر مع النظام الدموي، وجهة ثالثة مع نفسها فحسب، لا مع هذا أو ذاك، وحزب العمال في تركيا مستحوذ على الساحة التركية، ونجد عناصر في داخل هذا الحزب تؤيد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأخرى تؤيد حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني .
هذه الحقائق لمستها بنفسي شخصياً، ولا أدري فيما إذا كانت هنالك عناصر دينية داخل حزب العمال، تقف مع الأحزاب الدينية في إقليم كوردستان .
هذه الخريطة من التباعد والتمزق بين الأحزاب والتيارات الدينية العاملة على الساحة الكوردستانية تجعل من أمر تحقيق الأهداف الكبرى أبعد ما يكون ...وبالمقابل نرى الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إقليم كوردستان العراق وباقي الدول التي يقطنها الكورد يناضل لوحده على الساحة، من أجل جمع الشمل وتوحيد الكلمة في الجبهة الداخلية للامة الكوردستانية .
إن قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، من أكثر القيادات السياسية حرصا على وحدة الكورد في الشرق الأوسط، وخير دليل فخامة الرئيس مسعود بارزاني، قال مقولته الشهيرة ( عفى الله عما سلف )، لقد عفى عن الفرسان ولم يطبق قانون المساءلة والعدالة بحق البعثيين الكورد، ولم ينتقم من النظام السابق، بالرغم من إبادة 182 الف شهيد من ضمنهم من عائلته وعشيرته، ومدينته بارزان، احتوى كل المضطهدين من السنة والشيعة وباقي المكونات ومن بينهم الكورد في الدول المجاورة، الملاحقين لأسباب سياسية وطائفية بالرغم من انتمائهم الى أحزاب سياسية غير الحزب الديمقراطي الكوردستاني، إضافة الى اللاجئين في أثر المعارك التي شهدتها سورية منذ تسعة سنوات، ناهيك عن رعايته للثورة العمرانية في إقليم كوردستان، وتوجيهاته السديدة في شأن احترام القانون وتطبيقه على الجميع .
من كل هذا يخطط للمستقبل الواعد، ولكي يكون إقليم كوردستان الشعلة التي يهتدي اليها جميع الكورد في المنطقة، بغية تحقيق طموحاتهم المهدورة والمغتصبة... لو أجرينا قراءة سريعة للمنعطفات التاريخية سوف نجد العشرات من الحالات المشابهة للقضية الكوردية، ولكنها لم تدم طويلا بسبب قوة الجبهة الداخلية، وتضامن الشعب مع القيادة المخلصة، التي نذرت نفسها وامكانياتها وممتلكاتها خدمة للأهداف السامية.
ليس صحيحا أن تكون في الجبهة الداخلية الكوردستانية، قيادات تحملت العبء كله بكل مرارته وقدمت التضحيات الجسام، وتأتي أخرى حديثة العهد والتكوين، لكي تتأمر على هذه المكتسبات التي تحققت عبر ثمانية عقود، أرى هذا إجحافا لدماء مئات الآلاف من الشهداء بل تعد خيانة عظمى لا تغتفر بحقهم، لقد تعمقت وتوغلت كثيرا في طبيعة شعب كوردستان، من خلال المصادر التي حصلت عليها، إضافة إلى اختلاطي بهذا الشعب العريق على مدى أربعة سنوات، بالرغم من امتلاكي بعض المعلومات منذ صباي عن الكورد.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن