أصبح الشعب الكوردي أحد ضحايا المجازر العالمية التي ارتكبت ضده بعد الحرب الكونية الأولى، وتجزأت وتمزقت كوردستان بين الحلفاء لينال كل منهم نصيبه، واستغل شعبها لصالح القوى العظمى وكان ذلك ضد إرادة الشعب الكوردي التواق إلى الحرية وتقرير مصيره كسائر شعوب العالم التي دخلت عصراً جديداً وخاصة بعد ظهور حركات تحررية في العالم للخلاص من هيمنة المستعمرين والعمل من أجل التحرير.
على مدى التاريخ لم يعان شعب أو أمة ما عانتها الأمة الكوردية من ويلات وحروب وتصفية وتشريد للقضاء على هويتها القومية، حتى وصل الأمر بهولاكو القرن العشرين (صدام المقبور) إلى استعمال الأسلحة المحرمة دولياً، ناهيك عن الأعمال الهمجية ضد الأبرياء والتي راحت ضحيتها الآلاف.
رغم كل هذه الجرائم التي ارتكبت ضده بقى الشعب الكوردي صامدا صمود جبال كوردستان متحديا كل الطغاة، مدافعا بكل بسالة وشرف عن هويته و كيانه.
في العشرينات من القرن الماضي، الحقت كوردستان غدرا بالدولة العراقية العربية الحديثة التكوين، دون الرجوع الى رأي وارادة الشعب الكوردي حيث الحقت ولاية الموصل والتي كانت تتكون من (الموصل، أربيل، السليمانية، و كركوك) وكانت ولاية الموصل تشمل اغلب مناطق كوردستان، حيث في تقرير السويدي (يرسن وعضوية الكونت تيليكي والعقيد تاوليس) لغرض حل قضية الموصل ما يلي: ”إن أكثرية سكان ولاية الموصل من الكورد، فهم لذلك أهم عنصر في النزاع وهم ليسوا تركا أو عربا، ويختلفون عنهم في عاداتهم وتقاليدهم، إن العراق العربي لا يمتد شمالاً إلى أبعد من تكريت –هيت أو منطقة جبل حمرين)، وجاء في التقرير ايضا (ان في جميع المصادر الجغرافية منذ الفتح العربي حتى تاريخ تحقيق اللجنة سنة 1925، لم تعتبر أو توصف ولم تظهر الاراضي المتنازع عليها يوما كجزء من العراق، وفي الماضي لم يكن اسم العراق مألوفا عند سكان ولاية الموصل كاسم لبلادهم، كما أن مدينة كركوك بناها الكورد)*
وقد اقترحت هذه اللجنة الاخذ بالنواحي العنصرية ووجوب إنشاء دولة كوردية مستقلة.
ورغم قرار اللجنة إلا أن كوردستان الحقت ظلما بالعراق العربي، دون الاهتمام بإرادة وطموحات الكورد القومية.
رغم معارضة تركيا بالحاق ولاية الموصل بالعراق، فكانت على استعداد للتقرب من الانكليز حيث كانت مصالحها متطابقة إزاء القضية الكوردية، وفي 5 حزيران 1926 بعد محادثات طويلة وعلى حساب الحركة التحررية الكوردية تم التوصل إلى اتفاق بين بريطانيا والعراق وتركيا، ونص أحد بنود الاتفاقية على منح تركيا 10% من حصة النفط التي يحصل عليها العراق من شركة النفط الانكليزية، لكن تركيا تخلت عن هذه الحصة مقابل 500 الف جنيه استرليني نقدا.
هكذا انتهى الصراع بين الدولتين بسسب ولاية الموصل التي تتكون منها كوردستان والغنية بالموارد الطبيعية والذي بدا منذ عام 1919 وكان من نتائج الاتفاق تقسيم كوردستان إلى ثلاثة أجزاء والحاق جزء منها بالعراق العربي، وفي خطوة أخرى اتفقت الحكومتان الإيرانية والتركية ضمن معاهدة صداقة، وقعت بينهما في 22 من أكتوبر عام 1926 على التزامهما بعدم السماح لأي منظمة او مجموعات للقيام بنشاط قومي على أرض البلدين قد يمس أمن الطرف الآخر وسلامته.
هكذا تبين من المعاهدات وعلى الرغم من الخلافات بين الدول التي اقتسمت كوردستان بل الحقت بها كوردستان انها كانت متفقة على قمع الحركة التحررية الكوردية.
ورغم قرار اللجنة المذكورة بكوردية تلك المناطق ووجوب إنشاء دولة كوردية، والوعود الانكليزية أيضاً بإنشاء الدولة الكوردية ولاسيما بعد الحرب العالمية الاولى حيث تبلورت سياسة إقامة دولة كوردية في اتفاق سيفر عام 1920 (المواد 62،63،64 )*
إلا أن بريطانيا تراجعت عن موقفها إزاء الدولة الكوردية، حيث رأت بريطانيا أن مصلحتها تتطلب التخلي عن الكورد وتأسيس دولة عراقية موحدة وحكومة مركزية في بغداد وذلك:
أولاً- بعد ضم كوردستان إلى العراق أصبحت الدولة العراقية الجديدة تضم المنطقتين العربية والكوردية، وأصبح من السهل على بريطانيا بسط سيطرتها على كلتا المنطقتين من خلال معاهدة ثنائية واحدة.
ثانياً- مراعاة تركيا وإيران اللتين لا ترغبان بدولة كوردية مجاورة، خوفاً من تحريك الكورد ضد كل منهما.
حاول أعداء الكورد العمل بكل الوسائل على الغاء معاهدة سيفر أو تجميد نصوصها المتعلقة بمصير الكورد، ونتيجة لمصالحهم الغيت معاهدة سيفر وحلت محلها معاهدة لوزان في عام 1923.
رغم عدم تنفيذ معاهدة سيفر التي كانت دافعا قويا للثورات والحركات التي اندلعت بعد تلك الفترة، تعبر أول وثيقة دولية رسمية واول اعتراف دولي في التاريخ بالحقوق القومية للكورد وكذلك بحق تقرير المصير، وأنها المعاهدة الوحيدة التي وضعت القضية الكوردية في اطار القانون الدولي وحولتها من شأن داخلي إلى شأن دولي وأصبحت النواة لتشكيل الدولة الكوردية.
إن الشعب الكوردي الذي قدم الكثير من الدماء الطاهرة والتضحيات الجسام من أجل حريته وكرامته لكي يعيش بسلام وأمان على أرضه التي سلبت منه غدرا، له مطلق الحرية اليوم لكي يقرر بنفسه ما يتمناه من حياة حرة وكريمة سواء العيش ضمن دولة العراق وفق صيغة الفدرالية أي الاتحاد الاختياري أو إعلان كيانه و دولته على أرضه كوردستان لأن الشعب الكوردي يمتلك كل مقومات إنشاء الدولة.
إن قيام دولة كوردية في كوردستان الملحقة بالعراق أو ما يسمى خطا (شمال العراق) ليس انفصالاً من الدولة العراقية، لأن كوردستان كما ذكرنا لم تكن يوما من الأيام ضمن خارطة الدولة العراقية الحديثة ولا تقع كوردستان ضمن اي جزء من الاراضي العراقية، وإن الكورد لم يكونوا يوماً جزءاً من العراق العربي حتى ينفصلوا أو يكونوا سببا لتفكيك دولة العراق، وإن حدود كوردستان كانت واضحة قبل ضمها والحاقها قسرا بالعراق وتمتد بدءاً من إلى جبل حمرين ومن ضمنها مدن وقصبات خانقين ومندلي وشهربان وسنجار، ومدن تقع ضمن هذه المنطقة الجغرافية ومنها مدينة كركوك وإن كوردية هذه المدن غير قابلة للنقاش، حيث أكدت الوثائق الدولية على ذلك منها الوثائق المحفوظة لدى الأرشيف البريطاني منها ( واستنادا الى مذكرة وزارة الخارجية البريطانية في 22/10/1918 التي حددت فيها حدود كوردستان في اسيا الصغرى عدا كوردستان ايران، فإن أراضي كوردستان تقع جنوب نهر بوتان وأيضا الأراضي الواقعة شرق نهر دجلة وجبل حمرين، إن المنطقة التي حددتها المذكرة المذكورة تشمل جزءا من ولايات بتليس ووان والموصل الا انها لاتضم مركز مدينة الموصل الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة، وان المدن الرئيسية في المنطقة هي العمادية ورواندوز واربيل والتون كوبري والسليمانية وكركوك وكفري.
- وجاء في المذكرة (15/11/1918)، (FO 371/3407 15/11/1918) بان العقيد ولسن وكيل المندوب السامي البريطاني في بغداد قد اقترح في مراسلاته عام 1918 بعد احتلال كركوك باتخاذ خط نهر الزاب الاسفل حدودا شمالية للدولة العراق المزمع اقامتها وادخال التون كوبري والسليمانية وحلبجة وبنجوين ضمن دولة العراق لكونها غنية بالنفظ والفحم والفستق والتبغ.
- الوثيقة المرقمة (20/12/1919)، (FO371/5068) في الفقرة الرابعة: اما بالنسبة للحدود فانه (ويقصد وزير الهند- السيد مونتاغو) لايرغب بادخال المناطق ذات اكثرية كوردية ضمن حدود الدولة العراقية، بل انه يوصي بان يكون خط الحدود بين جنوب كوردستان والعراق هو الخط المار من شمال خانقين قليلا والى كفري ومن هناك الى كركوك والتون كوبري واربيل ودهوك وزاخو والى فيشخابور، وستكون الحدود الشرقية لكوردستان الجنوبية الحدود الايرانية اما الحدود الشمالية فتبدأ من التقاء جبل قنديل بالحدود الايرانية. وقد وقع الرسالة اي هرتزل وكيل وزارة الخارجية.
- وثيقة وزير المستعمرات ونستون تشرشل (27/7/1922)،(FO371/6346) الى المندوب السامي في العراق الفقرة الثالثة: يقترح تحديد الاقليم غير العربي بخط يمتد من مشوراداغ الى تيجانا وحوالي الموصل ثم يمتد باتجاه الخط الاثني للسكان العرب والى الاسفل حتى الحدود الايرانية ويقسم هذا الاقليم إلى ثلاثة الوية مستقلة واحدة في شمال غرب الزاب الأعلى والاخرى منطقة كركوك والثالثة في منطقة السليمانية يدخل فيها وسط منطقة ديالى وشمال قزلرباط، وتقسم العناصر العربية في الوقت الحاضر في كركوك بين سامراء والموصل.
- الوثيقة المرقمة (27/7/1922)، (FO371/7771)، الرسالة المرسلة من وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل هناك تاكيد في هذه الرسالة في فقراتها بان المناطق الكوردية وكوردستان لم تكن جزءاً من دولة العراق الحديثة التكوين ففي الفقرة الثانية يقول تشرشل في رسالته «اننا لانرغب ان نرغم شعب جنوب كوردستان تحت حكم حكومة الملك فيصل او إرغامهم على المشاركة في الانتخابات، انهم احرار في المشاركة او عدم المشاركة». وفي الفقرة السابعة يقول «لا يوجد هنال بديل محدد ومطروح على الشعب الكوردي في حالة عدم الخضوع والانضمام المباشر للحكومة العراقية. وجاء في الرسالة المذكورة وفي الفقرة العاشرة « في حالة تفضيل المناطق المذكورة عدم المشاركة في الانتخابات يتم تنظيم كردستان حسب الخطوط المقترحة والواردة مع رسالة الرائد يونك في (21/11/1921)، واذا لم تشارك الاقضية الكوردية للواء الموصل فقط يتم التعامل مع اللوائين الاخرين واربيل كما ورد في المقترحات في رسالة الرائد يونك، واذا ما رفضت كركوك والسليمانية المشاركة فتوضع كركوك في نفس مستوى السليمانية. يستنتج من هذه الفقرة كوردستانية كركوك، لأن تشرشل أشار في الفقرة الثانية من رسالته بعدم إرغام شعب كوردستان على المشاركة في الانتخابات، وفي الفقرة العاشرة حدد مناطق كوردستان. أما الفقرة الحادية عشر فقد أكد على عدم تعيين أي موظف عربي في هذه المناطق ولا تستخدم اللغة العربية إجباريا حتى في حالة مشاركة كافة المناطق الكوردية في الانتخابات وإعطاء مقياس واسع للحكم الذاتي للكورد والتركمان والاشوريين الذين يتألف منهم سكان المنطقة).
ومنها على الاخوة العرب ان يتفهموا الوضع الكوردي وأن يقبلوا بهذا الواقع التاريخي وأن يفرقوا بين كيان مصطنع وأمة قائمة منذ الازل وكوردية هذه المناطق الموطن التاريخي للشعب الكوردي وحقوقهم القومية المشروعة. ويجب عليهم ان يكفوا عن نهجهم الشوفيني العنصري الذي لايخدم سوى اعداء الكورد و العرب على حد سواء، وأنا على يقين بان أفكارهم هذه ليست إلا أفكار بالية لا تمثل الا نفسها.
وعلى العرب أن يحترموا رأي الشعب الكوردي سواء بإقامة دولته أو أي اختيار يراه مناسبا، لأن الشعب الكوردي هو صاحب القرار الأول والأخير.
عندما اعلن البرلمان الوطني الكوردستاني عام 1992 الخيار الفيدرالي ضمن الدولة العراقية عارضت بعض الأطياف العراقية والمعارضة في وقتها هذا الخيار وفرضت شروطا على حرية الشعب الكوردي، بحيث لا يقرر مالا يوافق عليه الشعب العربي في العراق وان لايتجاوز خياره مصلحة الامة العربية المجزأة اصلا، وان يكون قراره ضمن العراق.
لماذا يحق للعرب فرض شروطهم على الشعب الكوردي ولا يحق للكورد ان يعلنوا بحرية عن ارادتهم، فاذا كانوا هم الاكثرية فهم اكثرية ضمن حدود العراق العربي وليسوا الأكثرية في كوردستان.
مع كل ذلك نحن نقبل بإجراء استفتاء شعبي تحت إشراف الامم المتحدة والدول الكبرى ليقرر الشعب الكوردي ما يتمناه، وهذه أفضل الحلول لانهاء الخلافات بين الإقليم والمركز الذي بدا فيه الدكتاتورية بالظهور حيث تصريحات بعض المسؤولين لا تختلف عن تصريحات أركان النظام البائد تجاه الكورد.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر قناة زاكروس عربية.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن