زاكروس عربية - أربيل
هي تسعة عشر عاماً انقضين منذ سقط رمز النظام الذي جثم فوق صدر العراق خمسة وثلاثين عاماً عجافا أذاق فيها هذا الشعب المبتلى صنوف العذاب، فهل أن استذكار ما جرى في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣، يبعث على المسرة أم الحزن؟! أم لعله يكون اليوم الأنسب للمراجعة؟!
خالفت القوى السياسية جميع الأعراف والمنطق، وأشاحت بوجهها عن مناسبة تاريخية حصلت في مثل هذا اليوم، تاركة للناس تداولها كلا بطريقته، أما على المستوى الرسمي فقد تصرفت به الحكومات كما تشتهي، فلا هو باليوم الحزين باعتباره يوم احتلال، ولا هو بالسعيد كون ما جرى كان تحريرا، فلم تدرجه ضمن مناسباتها وعطلها الرسمية رغم كثرتها.
الاستثناء كان في اقليم كوردستان الذي تعامل مع هذا اليوم بما يستحقه من اشارة سواء بالاحتفاء به لأنه شهد سقوط النظام الذي ارتكب من الجرائم اصنافا ضد شعبه، او باستذكاره لاستنباط الدروس والعبر منه، او لأهميته التاريخية كونه نقطة تحول ومفصلي في عمر بلاد ما بين النهرين.
عدد من القوى السياسية، ولأجندات خاصة أبدلته مناسبةَ أخرى يحين وقتها بعد أيام، وهي ذكرى تنفيذ حكم الاعدام بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر، والذي تشير الوثائق الرسمية الى انه تم في الثالث عشر من نيسان، وليس في التاسع منه، أي تناقض وازدواجية وخلط هذا، وما يدفع اليه؟!
انساقت القوى السياسية مع مذهب الشعاراتيين ومحتواهم الفارغ واعتبرته يوم احتلال، وهي التسمية التي بات يطلقها حتى الذين لم يدخروا وسيلة لاقناع قوى دولية لإسقاط النظام بالقوة، لكن الأخطر هو ما جرى بعد ذلك.
الاعمى فقط ومعدوم التمييز ومشوش الرؤية من ينكر ان الدول التي اسقطت النظام الفولاذي بجبروته وصنوف قواته القمعية وانفلات قبضته الدموية، كانت الى حد بعيد حسنة النيات عندما حاولت جهدها مصادقة العراق والعراقيين وتعويضهم عن سنوات الظلم والحروب والحصار فابتكرت جميع الوسائل التي فاقت وللانصاف خطة مارشال التي طبقت في المانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في مسعى لمساعدة العراق فاغدقت عليه الاموال وأطفات الديون وجاءت للاعمار، وماثلة ما قدمته الولايات المتحدة، والدول العظمى والاتحاد الاوربي واليابان وكوريا الجنوبية وسواها في هذا الشأن.
اصطدمت هذه المساعي بصخور صلدة من الفكر المنغلق حيناً، والنيات السيئة لأعداء التغيير من بقايا البعث الصدامي حينا آخر، ومرامي اصحاب الأجندات المتطرفة ايضاً، وتظافرت جهود هؤلاء في تخادم غريب لإفشال التغيير الذي كان من اهم اهدافه صناعة دولة تنال اهتمام ورعاية العالم وخشيت دول كثيرة في المنطقة من عراق جديد مرفه وناعم يكون ابنا مدللا للغرب، فسعت سعيها، حسدا وبغضاً.
لا أحد تمنى الخير لهذا البلد الذي انخدع جل شعبه بخطابات بائسة عن الاحتلال والمقاومة واطماع الغرب بالنفط والتمر والزئبق الاحمر والآثار وحتى مياه الجداول الآسنة، ونسوا ان العراق جزء من هذا العالم الذي صار اقرب لبعضه من أي زمن مضى، وان حسابات المصالح بين الدول باتت تختلف عن حسابات الشعارات البالية.
انتكاسات تليها انتكاسات، وفشل يعقبه فشل.. وفساد ينخر جسم الدولة، ودولة في عمق الدولة، ودولة بلا دولة، ونظام سياسي أعرج، وانتخابات مشوهة، ونكوص خارجي وداخلي، وتدخلات أجنبية، وتراجع في منظومة الوعي والثقافة والتعليم والصحة..وميليشيات صارت فوق القانون، وعشائر صارت بديلة للقانون، ونزاعات واحقاد جديدة تغذيها أحقاد قديمة ضد تجربة الإقليم ونجاحاته .... هذه هي الرؤيا الآن.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن