Erbil 10°C السبت 23 تشرين الثاني 00:18

نتائج الانتخابات تحدث انقساماً في البيت الشيعي، فإلى أين تتجه الأوضاع؟

أسباب انقسام الشيعة إلى فريقين عقب الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات

باختصار مع شيرين كوليجان

أحدثت نتائج الانتخابات المبكرة انقساماً في البيت الشيعي وصل إلى حد التلويح بالاقتتال، بين الطرف الفائز الذي يتمثل بالكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، والإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم الكتل الخاسرة وهي تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وتحالف قوى الدولة الوطنية وحزب الفضيلة وحركتي عطاء وحقوق، ولم تتوقف عند هذا بل باتت الفصائل المسلحة طرفاً تأمر وتنهى وتنسف شرعية العملية الديمقراطية بقوة السلاح.

كانت رهانات القوى الشيعية تضرب سقفاً عالياً قبل انتخابات العاشر من تشرين الأول، بل أن كل طرف كان يستبشر بكونه الكتلة الأكبر وبالتالي أحقيته في تسمية رئيس الوزراء لكن كان للناخبين رأي آخر، ففي حين حصلت الكتلة الصدرية على 73 مقعداً بزيادة 19 مقعداً عن انتخابات 2018، وفازت دولة القانون بـ37 مقعداً؛ تراجع مستوى تمثيل الأحزاب التقليدية وتلك التي تمثل الفصائل المسلحة حيث انخفضت مقاعد تحالف الفتح بزعامة هادي العامري إلى 17 مقعداً رغم أنه حل في المرتبة الثانية في الانتخابات السابقة بـ48 مقعداً، في حين كان التراجع الأكبر من حصة تحالف قوى الدولة الوطنية للحكيم والعبادي، بحصولهما مجتمعين على 4 مقاعد مقارنة بحصول تيار الحكمة والنصر على 40 مقعداً سابقاً.

رغم توقيع قادة وممثلي كبرى الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات على مدونة السلوك الانتخابي لكن الخاسرين لم يحتملوا مرارة الهزيمة وتنصلوا عن تعهداتهم عند أقرب اختبار ديمقراطي، فمع إعلان النتائج الأولية للانتخابات سرعان ما أصدر من أخفقوا في الانتخابات بيانات ترفض الاعتراف بصحة الأرقام المعلنة بل طعنت في نزاهة الانتخابات والمفوضية واتهمت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالتزوير.

لم يقتصر الخلاف على الكتل السياسية، فالفصائل المسلحة التي تتستر بغطاء "المقاومة" وتمثل أذرعاً عسكرية لأحزاب متنفذة دخلت على خط الأزمة، وتتدرجت في حدة تهديداتها كما نصبت نفسها قاضياً للطعن في شرعية العملية السياسية والديمقراطية في العراق، دافعةً باتجاه التحريض على التصعيد واللجوء إلى الفوضى.

نشر أنصارها في الشارع كانت وسيلة أخرى للقوى الخاسرة من أجل تغيير المعادلة الانتخابية، فمنذ يوم الثلاثاء الماضي، يعتصم الآلاف من مؤيدي تلك الكتل أمام المنطقة الخضراء وسط بغداد وهم يوجهون هتافاتهم ضد المفوضية والحكومة واليونامي، قبل أن يتقدموا مساء السبت باقتحامهم بوابة الجسر المعلق للمنطقة الخضراء المحصنة والتي تضم المقرات الحكومية والبعثات الدبلوماسية في خطوة تصعيدية، وسط تساؤلات عن جهات التمويل بعدما تسربت وثيقة لكتاب موجه من تحالف الفتح إلى الحشد الشعبي بغرض منح إجازة مفتوحة للمنتسبين للمشاركة في الاعتصامات وتأمين مبالغ مالية وعجلات مدنية لنقلهم وتوفير وجبات الطعام لهم مع دفع 50 ألف دينار لكل متظاهر.

كان جدل تكوين التحالفات يبلغ ذروته في الانتخابات السابقة بعد ظهور النتائج حيث كان القانون يمنح التحالف الذي يضم أكثر النواب عدداً حق تسمية رئيس الوزراء لكن التعديل الذي أجري قبل انتخابات 2021، أغلق الباب أمام هذه المراهنات وجعل ذلك حكراً على الكتلة الأكبر عدداً والتي تشكلت قبل الانتخابات، وتزامن ذلك مع ما أفرزته تظاهرات تشرين من تغيير في واقع شعبية الكيانات الانتخابية حيث فاز أكثر من 40 مرشحاً مستقلاً بمقاعد نيابية إلى جانب حصول حركة امتداد والتي تمثل المتظاهرين على 9 مقاعد ما يعد سحباً للبساط الجماهيري من تحت أقدام الزعامات التقليدية في المحافظات الشيعية وهزاً لعروشها.

نتائج الانتخابات لم تكن بمنأى عن التدخلات الخارجية والإقليمية، ففي حين يوجه أنصار الكتل الخاسرة أصابع الاتهام لدول خليجية بالتلاعب بالعملية، لا يتوانى خصومهم من الصدريين عن إلقاء اللوم على الجارة الشرقية في إذكاء نار الصراع، بل أن الصدر أصدر بياناً خاطب فيه دول الجوار بصراحة مؤكداً عدم السماح "بتدخل أي دولة بشأن الانتخابات العراقية ونتائجها وما يترتب عليها من تحالفات وتشكيل الحكومة".

منذ عام 2003، بات تصنيف العراق على أنه حديث العهد بالديمقراطية شماعةً تعلق عليها إخفاقات الطبقة السياسية وصراعاتهم، لكن وبعد مرور أكثر من 18 سنة من بدء مرحلة "العراق الجديد" وهي فترة يفترض أنها كافية لنضوج أبطال المشهد السياسي العراقي ووعيهم بمبادئ الديمقراطية، لكن الأحزاب التي تعد واجهات كارتونية لفصائل مسلحة وتمارس السياسة كدمى فارغة في مسرح افتراضي لا تزال تراهق... فترهق الشعب، وما لبنان منكم ببعيد حينما خرج أنصار الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل قبل أيام في بيروت مدججين بالأسلحة في مشهد أعاد إلى الأذهان أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، اعتراضاً على أداء المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت بعد استدعائه وزراء سابقين وأمنيين محسوبين على حلفاء حزب الله لاستجوابهم بداعي الإهمال الوظيفي الذي أدى إلى فاجعة المرفأ، في مثال آخر لإقحام السلاح بالعمل السياسي.

في ظل الوضع الراهن يقف العراق أمام سيناريوهات عدة يَصعب على المراقب ترجيح أحدها على الآخر، ففيما ينذر البعض باحتمال المضي في مسار التصعيد والوصول إلى حد الاشتباك لفرض الإرادات، يبدو آخرون أكثر تفاؤلاً برضوخ المتصارعين لمتطلبات الواقع والوصول إلى قناعة مفادها أن تشكيل حكومة توافقية ترضي البيت الشيعي أمر لا بد منه للوصول إلى بر الأمان.

 إعداد: شونم خوشناو - تقديم: شيرين كوليجان

العراق

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.