القبيلة هي ظاهرة اجتماعية تكونت قبل نشوء الدولة المدنية الحديثة تقوم على أساس العصبية والانحياز ويرتبط أعضاءها بثقافة القوة وتقاليد البيئة الاجتماعية وعاداتها المتوارثة اجتماعيا وسيكولوجيا, باعتبارها إطاراً اجتماعياً لحماية الفرد وحل النزاعات والمشاكل في الخصومات وتحدد الصراع والقتال على أسس عصبية تخضع الى سلطة وقرارات القبيلة وزعيمها.
ويتمدد نفوذها عكسيا مع سلطة الدولة وقوتها، فكلما ضعفت الدولة زاد نفوذها في المجتمع والعكس صحيح. والمجتمع العراقي مبني أساسا على التعصب القبلي قبل نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921. ويقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي ( يسير المثقف والعقال في جيبه) وهذا دليل على تأثير العصبية القبلية على دعاة الثقافة, وهذه إشكالية اجتماعية ثقافية تعيق القانون من فرض سلطة الدولة في المجتمع.
وعلى الرغم ان الدين الإسلامي شذب الكثير من سلوكيات القبيلة الاجتماعية الا ان قوانين القبيلة تسود الى يومنا هذا. مثل (الثأر والقتل العشوائي والنعرات وهدر الدم والنهوة على بنت العم واحتقار المرأة والتفاوت الطبقي بين القبائل وافرادها) وربما نتفق مع وجهة نظر ابن خلدون بان القبيلة انتجت دولاَ وحضارات, ولكنها في بعض الأحيان كان لها مفعول عكسي على مسار التاريخ فألغت دولا وحضارات, لكون التعصب لا يرى وجوده الا بالقضاء على الاخر باعتباره يقوم على نصرة الاقرباء من أبناء القبيلة سوى كانوا ظالمين او مظلومين.
وهذه البنية الاجتماعية المتعصبة التي تكونت على شكل تنظيمات متماسكة في الحركة صنعتها قساوة البيئة الصحراوية التي لا تتسع الى الاخر المختلف معها من تنظيمات اجتماعية أخرى. وتعاظم نفوذها وأبرز دورها السياسي في ظل الحكومات الناشئة والرخوة باعتبارها كيان فاعل في المنعطفات التاريخية عامة وفي الانتخابات السياسية خاصة, فأخذت الأحزاب والحكومات باستقطاب شيوخ القبائل وفتحت الباب امامهم في الحضور الاجتماعي والسياسي والوساطات والتفاوض والمساعي للسيطرة على امن المجتمع وزجهم في الصراع السياسي كجزء من مكونات المجتمع.
ورغم وجود الدولة ومؤسساتها السياسية والإدارية والقضائية، الا ان القبيلة أصبحت بنية اجتماعية وقوة سياسية فاعلة تستظل بظلال بالشرعية السياسية. وذلك من خلال فرض رموزها وخطابها الثقافي في المجتمع.
فهناك صراع دائم وتمرد قائم بين سلطة القبيلة وسلطة الدولة هذا الصراع يضمن ضعف الدولة وخطابها السياسي وتأثيرها الثقافي والاجتماعي على المجتمع. فبروز القبيلة وعسكرتها كقوة قاهرة داخل المجتمع بما تملكه من سلاح وسطوة جغرافية يسمح لها بتصفية حساباتها مع الاخر خارج اطار سلطة الدولة ظاهرة خطيرة جدا لا يكفي استنكارها وشجبها, بل تحتاج الى موقف جاد من المجتمع المدني ومنظماته الفاعلة والمؤثرة وانهاء مظاهر الشعبوية التي تهدد كيان المجتمع المدني. وهذا يعني خللاَ أو ضعفا أصاب الدولة ومؤسساتها القضائية والأمنية وعطل مسيرتها السياسية. وهذا يتطلب الى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بشكل تكاملي وليس تناقضي.
باعتبار الدولة كيان قانوني تتمتع بسلطات كاملة وشاملة يخضع لها جميع الاشخاص والجماعات وهي الوحيدة التي يحق لها ان تحتكر السلطة الشرعية بامتلاك أدوات العنف والتهديد والعقاب ولا تسمح لاي كيان آخر للمشاركة بهذه السلطة والصلاحيات. ولابد ان تحظى الدولة وسلطاتها بمقبولية المجتمع وافراده بتفويض قانوني ودستوري دون أي انحياز سياسي او اجتماعي لطرف معين.
وبغض النظر عن كل التبريرات التي تقال حول دور القبيلة وعلاقتها في المجتمع وخضوع الافراد لها باعتبارها احد النواظم التاريخية للقيم والعادات والتقاليد، الا ان سلطة الدولة تبقى هي الأعلى والاهم، ولا يمكن ترجيح خطاب القبيلة على حساب خطاب الدولة ولا هوية القبيلة على هوية الدولة باعتبار الدولة هي الطرف الأقوى في هذه المعادلة وتريد بسط سيطرتها وسلطتها وان تخضع لها جميع القبائل وافرادهم لكي لا يتحول المجتمع الى شريعة غاب.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن