تتميز قضايا الكورد المصيرية عموماً بشدة تعقيدها قياساً بقضايا باقي الشعوب بسبب تجزئة الجغرافية الكردية وتعدد الأمم المستعمِرة لها واتفاق تلك الأمم (المختلفة فيما بينهم) على استرقاق الكورد مقابل اختلافهم فيما بينهم على التحرر من العبودية، ويتميز عن هذا التميز القضية الكردية في الجزء الملحق بسوريا إذ إضافة لما يشترك به مع الأجزاء الاخرى من غبن وتعقيد، فهو يفتقد تلك التضاريس التي لم يكن للكرد في كثير من الاوقات أصدقاء سواها، أضف إلى ذلك غياب الشخصية القيادية الفذة الجامعة المتصفة بالحكمة والشجاعة معاً مثلما ظهرت ولعدة مرات في الأجزاء الاخرى من الوطن الكردي.
ولئن يعزو البعض عدم بروز تلك الشخصية القائدة إلى الجغرافية الخاصة بغرب كوردستان في زمن الدكتاتوريات فإنه وبانحسار السلطة الرسمية عن غرب كوردستان منذ عام ٢٠١٢ على أقل تقدير أضحت الظروف مناسبة لمجمل الحركة السياسية الكردية في أن تترك سياسة النأي بالنفس عن المتغيرات التي ما فتئت تحصل، وتقدم شخصية او حتى حزب او هيكل سياسي ليكون فاعلا لا منفعلا على طول الخط .
واقع الحال ان (الموجود) طرفان كرديان هما المجلس الوطني الكردي والإتحاد الديمقراطي و(المطلوب) هو تحقيق وحدة الموقف الكوردي بأسرع ما يمكن، وهو مطلب جماهيري كردي إضافةً لكونه إرادة دولية سيعبد الطريق المؤدية إلى لم شمل الوطن بأبنائه، لكن في الحقيقة مرارة الواقع تظهر العكس، وتبرز طول المسافة واتساع البون بين الموجود والمطلوب.
لقد فشل الطرفان في التعامل مع الحدث (الفرصة) في سنينه التسع.
المجلس الوطني الكردي كان لديه فوبيا امتلاك قوة عسكرية او حتى التظلل على قوى ناشئة كانت قد ظهرت بين ظهرانيه بل كان العكس، وتناسى ان القرارات السياسية في ميادين يقرقع فيها السلاح لا تجدي ولا تذر، وهو لم ينتهج استراتيجية احتياطية لاستراتيجيته التي بنيت على السقوط المبكر للنظام منذ بدء الثورة السورية وهو ما لم يحصل كما يقع الآن بنفس الخطأ دون أن يضع بالحسبان أن لا ضمانات في السياسة وان نسبة ال5% المهملة والساقطة من الحسابات الإستراتيجية هي التي تتحقق غالباً.
يقول الشهيد سامي عبد الرحمن في مقابلة له مع جريدة (gel) صدرت عام ١٩٨٩ «كنا في الثورة الكوردية بنينا استراتيجيتنا على استحالة ان يقدم النظام العراقي مجمل التنازلات التي قدمها لشاه إيران في العام' ١٩٧٥ ' مقابل غدر الشاه للكرد وقد تحقق ذلك المستحيل» وبالصدد نفسه يقول:《في ثمانينات القرن الماضي اعتمدنا استراتيجية قائمة على استحالة قبول النظام الإيراني وقف الحرب مع العراق لكن المستحيل أصبح واقعا》لكن كان لقيادة الثورة على الدوام استراتيجياتها البديلة، فما هي استراتيجية المجلس الوطني الكردي البديلة فيما لو لم يسقط النظام السوري كما هو متوقع؟.
في المقابل فإن حزب الإتحاد الديمقراطي قد فشل في إدارة المنطقة الكوردية، واولى تخرصاته كان زف بشرى براءته من القومية الكردية واعتماد ايديولوجية أممية دون ان يعوا ان ما هو قومي خطوة في طريق ما هو أممي، وأن تبنّي الأممية دون المرور بالمرحلة القومية هو ليس قصور في فهم نظرية تأميم القومية فحسب بل تعويم لها.
بعكس المجلس الوطني الكردي الذي اعتمد الحل السياسي دون الاستناد إلى قوة على الأرض فقد اعتمد الاتحاد الديمقراطي الحل العسكري دون رؤية سياسية واستراتيجية أو تصدير قبوله إلى القوى الفاعلة وبذا فقد تضادت على جغرافية الوطن (قوة المنطق) مع (منطق القوة) ففشل الاثنان في حين أنهما يتكاملان لو توفرت النية واقترنت بالإرادة واجتمعت ديبلوماسية المجلس الوطني الكردي مع قوة الاتحاد الديمقراطي والتي لا بد أن تتوسع وتتأطر من جديد لتستوعب بيشمركة روج و بذلك سيرتقي الموجود لمستوى المطلوب والوقت لم يستنفذ بعد ومازلنا للآن في المنطقة الزمنية الآمنة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن