لا يمكن عدم الربط بين كل ما حدث في العراق، خلال الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات السابقة، مع سياق الصراع القديم الجديد وملابساته التاريخية بين إيران وأمريكا اللتان تستغلان وتستثمران الكثير في الخفاء والعلن، من أجل الهيمنة على العراق والسيطرة على كافة القرارات السياسية والعسكرية والإقتصادية، وتأمين مصالحهما وتقسيم المغانم بينهما، وجعل الفوضى والإنقسام قاعدة للتفاهمات بين العراقيين.
طهران تمتلك مبررات ومسوغات للتدخل في الشؤون العراقية الكبيرة والصغيرة، تحت ستار حماية الشيعة وإنقاذهم من المظلومية. وأمريكا منهمكة بتقليد إيران ولكن تحت يافطة محاربة الإرهاب وتفرعاته في العراق. والإثنتان إستفادتا من المواقف السياسية العراقية التي لا تتسم بالعقلانية والخارجة عن الاستحقاقات الوطنية، ومن ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة، وعدم التفكير بحكمة وتأن لضمان الخروج من لعبة شد الحبال بين الطرفين المتصارعين بسلامة. كما إستفادتا من ظهور داعش وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي، فبسطتا نفوذهما، وتواجدتا بشكل علني في الساحتين العسكرية والسياسية، وقد إنبهر بكل منهما فئة من السياسيين. كما نجحتا حتى الآن في إقناع الكثيرين بمبرراتهما التي تدور حول مواجهة التهديدات المحدقة، والعمل على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم وحدة الأراضي العراقية وإنقاذها من التقسيم، والعمل في سبيل تحسين الأوضاع الاجتماعية وحمـاية الحريات الديموقراطية، ومنع إندلاع الحرب الأهلية بين العراقيين.
أما بغداد التي كانت ومازالت تعاني، واقعياً، من التناقضات والتجاوزات والأوضاع المتهالكة بسبب حجم الأزمات التي تعصف بها، والمكتوية بنيران التدخلات الإمريكية والإيرانية، ولعبة الصراع المحفوفة بمخاطر كبيرة واضرار جسيمة بينهما، فلم تكترث بها ولم تحاول إخمادها ولو بأضعف الإيمان، ولم تتضايق من إستشراء نفوذهما وأدوارهما المشبوه، وحاولت الظهور للملأ وكأنها لم تذق الويلات، وكأنها صاحبة سيادة وواثقة من النوايا الطيبة لواشنطن، حيناً، ومن نوايا طهران، في حين آخر.
غالبية العراقيين، وبالذات الذين ليس لهم دخل في الصراعات الداخلية والخارجية الجارية ولا يعنيهم أمرهما بمقدار ما يهمهم أمنهم واستقرار بلدهم والعيش في حياة حرة كريمة لهم ولأولادهم، يتخوفون من دفع ثمن الصراع الايراني الأميركي. وكذلك الحال بالنسبة للمتنورين والوطنيين الذين لاناقة لهم ولا جمل في قافلة الصراع الأمريكي الإيراني، والذين يريدون أن يكون العراق سيد نفسه، يعيشون في حالات القلق والتوجس إزاء الأزمة الراهنة وتداعياتها، وبالذات بعد أن طغى الحديث بلغة طائفية صريحة في برلمان البلاد، وبعدما تم التخلي عن المصالح الوطنية لصالح المصالح الخارجية. لأنهم متأكدون وعلى ثقة تامة بأن بلدهم بات اليوم في مرحلة تضييع فرص التوصل إلى رؤية جامعة للمستقبل، وفي أعلى درجات إفتقاد الاستقلالية، وأن مصيرهم على كف عفريت. كما يخافون من تهيئة وتمهيد الأرضية والاجواء لحروب ومحن وشدائد على مختلف الصعد، ولبقاء الأمريكان والإيرانيين في بلدهم من خلال إختلاق المشكلات والسيناريوهات الغريبة والمواجهات الطائفية والمذهبية والقومية، ووضع بلدهم العليل المليئ بالمقابر الجماعية والأمراض المستعصية، أمام أزمات جديدة تحمل كل الأخطار والممارسات المشبوهة التي تدفعها نحو الهاوية.
الأحداث والأوضاع الصاخبة خلال الأيام العجاف السابقة والتصادمات والمواجهات التي حدثت على الارض العراقية، أثبتت أن الكثير من السياسيين المنغمسين بعمق في أحواض الفشل والتورط، بدلاً من الهداية والتعقل والإحتكام الى المنطق وتحديد الأهم قبل المهم والإنحياز للمصلحة الوطنية اولا واخيرا، داروا ظهورهم لهموم الناس، دون وجل من الفوضى والدمار والقتل، أو خجل من الضمير، إما غباءاً وجهلاً بموازين القوى وحسابات الربح والخسارة دون دراية بهول كارثة إستدراج العراق نحو آتون حرب مدمرة وهو بعيد عنها، أو بهدف تضخيم حساباتهم وزيادة سرقاتهم وصفقاتها المشبوهة والتمعن في إفقار أبناء الشعب .
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن