زهرة أحمد
كوردستان الخريطة الجيوسياسية الممتدة بأصالتها عبر التاريخ، تحطمت على شموخها براثن الاستبداد ومحاولات الصهر القومي، تقاسمتها دول بأنظمة دكتاتورية بموجب اتفاقات دولية متجاهلة إرادة الشعب الكوردي، لتمارس تلك الأنظمة أبشع صور الدكتاتوريات بهدف إنهاء الوجود وطمس الهوية القومية من خلال التعريب والتتريك والتفريس، وقد وصل الأمر، في بعض الأحيان لدرجة الجينوسايد.
حدود سايكس بيكو لا تزال تمزق الحلم الكردي، والدول المستفيدة من تلك المؤامرة الدولية، المتجددة في عمق تاريخها المنتهي قانونيا، لاتزال تحارب الوجود القومي بكل السياسات الاستبداية.
إنها تحارب حقوقاً مشروعة أيدتها مواثيق دولية، لتمزق نسيج الحلم الكردي كلما أشرقت خيوطه باتفاقيات سرية وأخرى علنية مع الدول التي تقتسم كوردستان حتى إذا كانت متحاربة معها، فالتنسيق والتعاون والتآمر يكون على حساب تطلعات شعب أصيل تجذرت أصوله في ثنايا التاريخ.
بالرغم من المجازر التي حصلت للشعب الكردي وجرائم الإبادة الجماعية من قبل حكومات بعض تلك الدول إلا أن حل القضية الكوردية وفق المواثيق الدولية بقيت طي التناسي في المحافل الدولية بقيت ورقة ضاغطة تستخدم لتحقيق مصالح بعض الدول التي تتفنن في تحقيق مصالحها حتى على حساب حق تقرير المصير لشعب يملك كافة مقومات الدولة الحديثة وفق القوانين الدولية.
مورست بحق الشعب الكوردي مجازر الأنفال والكيماوي، فكانت المقابر الجماعية والهجرة المليونية، لتكون الجبال كما كانت، الحضن الآمن، والصديق الوفي بل الوحيد، حامية أجساداً أنهكها الاستبداد، حاضنة أرواحاً غدرت بإنسانيتها دكتاتورية الإنسان.
لكن، بالرغم من مسلسلات المآسي والمؤامرات التي استهدفت الوجود والهوية، فقد بقي الشعب الكوردي شامخا كجبالها.
أشرقت شمس الحرية على كوردستان بعد الثورات المجيدة والانتفاضات الشعبية لتعانق رفعة الشموخ على علم كوردستان في ملحمته الثورية وهو يتباهى بقدسيته على البرلمان الكوردستاني.
فكانت الفيدرالية ثمرة دماء الشهداء وبطولات البيشمركة والثورات البارزانية واتفاقيات الانتصار التي رسخت ركائز الحرية والديمقراطية في إقليم كوردستان.
دعا الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان إلى إجراء عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان والمناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم بتاريخ 2017/9/25.
ليصادق برلمان الإقليم في 15 سبتمبر/أيلول 2017 على إجراء الاستفتاء في موعده المقرر.
تضمن الاستفتاء الجواب على سؤال واحد وهو:
هل توافق على استقلال إقليم كوردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة؟ فكان 25 أيلول تاريخاً مشرقاً، إرادة شامخة تخطت خرائط الاستبداد، ثورة متقدة قادها البيشمركه الأسطورة مسعود بارزاني.
استفتاء 25 أيلول بداية تاريخية لحلم مشرق وحق قانوني مشروع لشعب أراد أن يقرر مصيره بنفسه، ويترجم استراتيجية الثورات البارزانية لإشراقة الحرية في يومها الجديد ليعانق أيلول مجده المقدس المعطر بدماء الشهداء وكبرياء البيشمركة الأبطال التي رسمت تاريخ الشعب الكردي على شموخ جبال كردستان .
يحق للشعب الكوردي في كوردستان العراق حق تقرير مصيره بنفسه لأنه حق خاص بالشعوب صغيرها وكبيرها وكذلك الشعوب في الدولة الواحدة، وينطبق هذا المبدأ على الشعب الكوردي في كلٍّ من سوريا وتركيا وايران، فنتيجة الخارطة الجيوسياسية التي وضعتها الدول الاستعمارية ورسختها الاتفاقيات الدولية فقد تم تكريس تقسيم كوردستان دون الرجوع الى إرادة الشعب الكوردي بين دول أكثر استبدادية في التاريخ. حيث أثبتت وقائع التاريخ بأن الحكم المركزي البعثي في سوريا والعراق ودكتاتورية تركيا العثمانية واستبداد الملالي لم يجلب أحد من هؤلاء للبشرية سوى الخراب والدمار وانتهاك الكرامة الإنسانية وفشلت فشلاً ذريعاً في احترام حقوق الشعوب التي تحتلها وإرادتها الحرة في الحرية والحياة الكريمة بعد أن مورست بحقها أبشع صور الاستبداد والجرائم واصلة إلى درجة الإبادة الجماعية.
إن حق تقرير المصير بما يتضمنه من أبعاد سياسية وقانونية ملزمة ترسخ حق الشعوب في تقرير انتمائها ومركزها السياسي وشكل نظام الحكم لها. فدولة العراق الاتحادية والعقول البعثية على سدة الحكم تماطل في تطبيق الحقوق الدستورية المنصوص عليها في الدستور العراقي، فلا تزال المادة 140 من الدستور العراقي في أرشيف الإقصاء الحاقد وموضع مماطلة، وتجاهل لتثبت فشل التجربة الفيدرالية وتحطيم آخر جسر للتواصل مع العراق قانونياً، لذلك فمن حق الشعب الكوردي ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه وفق منظوره السياسي والقانوني عن طريق الاستفتاء باعتباره من الوسائل الدستورية الطبيعية للتشريع الداخلي ومؤكد عليه في القانون الدولي ويتضمن استشارة الشعب حول رغبته في تقرير مصيره بنفسه.
حق تقرير المصير يستند الى فكرة أن “الشعوب هي مصدر السلطات” حتى اذا لم يكن إجراء الاستفتاء بالتوافق مع الدولة التي يقع فيها الشعب الذي يريد أن يستفتي على مصيره وحتى إذا لم تكن هناك أية مادة دستورية في دستور تلك الدولة تشير إلى حق تقرير المصير، فإن الشعوب تلجأ إليها كنتيجة حتمية لتوالي سياسات التمييز العنصرية والمحاولات الجاهدة لطمس الهوية القومية للشعوب في تلك الدولة.
في الدستور العراقي هناك مواد واضحة تؤكد حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه باعتراف دستوري واضح بأن العراق بلد متعدد القوميات.
هذا بالإضافة إلى أن الأمم المتحدة تؤكد دائماً على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية والتي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتدعم كل خطوة نحو التحرر والاستقلال.
حق تقرير المصير:
«حق شعب ما في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظلّه والسيادة التي يريد الانتماء إليها».
اقترن حق تقرير المصير منذ القرن السابع عشر بتعبير حرية الإرادةFree will.
يمكن تعريفه على أنه «حق شعب ما في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظلّه والسيادة التي يريد الانتماء إليها».
من الممكن أن يعد نشوء مبدأ تقرير المصير وتطوره تاريخياً ردة فعل ثورية على مفهوم الحق الإلهي "Divine right " الذي قامت عليه أنظمة الحكم في العصور الوسطى، إذ كان إقليم الدولة وسكانه يعدان معاً ملكاً خاصاً للحاكم الذي له بمقتضى سيادته المستمدة من حقه الإلهي أو ما يدعوه «جان بودان»: «السلطة السامية غير المقيدة بالقانون»؛ إذ يمارس سلطته عليهما معاً بصفته مالكاً شرعياً. فإذا تصرّف بجزء من الإقليم شمل تصرفه سكان ذلك الجزء الذي يرتبطون به ويخضعون لمصيره نفسه، ومع تطور الأوضاع ومرور الوقت تولد رد الفعل على المفهوم الديني للدولة، فنمت، وترعرعت فكرة أن السلطة إنما تكمن في الشعب الذي يتمتع بحق غير قابل للتصرف في تقرير شكل الحكم الذي يرغب فيه والدولة التي يود الانتماء إليها.
وإذا كان الرجوع إلى مبدأ تقرير المصير قد استهل في عام 1526 فإنه لم يحدث تطبيقه الفعلي إلا في بيان الاستقلال الأمريكي المعلن يوم 4 تموز/يوليو 1776م، وبعدها في وثيقة حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789م في فرنسا.
عندما حصلت المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في أمريكا الجنوبية على استقلالها في المدة من 1810- 1825م خشي الرئيس الأمريكي «مونرو» أن تلجأ الدول الأوربية إلى التدخل في شؤون دول أمريكا الجنوبية، فأصدر عام 1823 تصريحاً تضمن حق تلك الدول في تقرير المصير، كما تعهد تقديم الدعم الأدبي والعسكري لحكوماتها التي قامت استناداً إلى هذا المبدأ.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، قدم الرئيس الأمريكي ودرو ويلسن (Woodrow Wilson)، وثيقة مكوّنة من أربع عشرة نقطة تناول فيها رؤيته للنظام العالمي الجديد آنذاك، وكان "حق الشعوب في تقرير مصيرها" مبدأً مهماً في وثيقة ويلسون، التي قدّمها في مؤتمر السلام في عصبة الأمم. لكن عصبة الأمم، قامت، وتحت تأثير النفوذ الفرنسي والبريطاني، بتقسيم العالم إلى أقاليم وشعوب أوربية، وأخرى غير أوربية. فمُنِحت الشعوب الأوربية الاستقلال بالاستناد إلى هذا المبدأ (مبدأ حق تقرير المصير)، في حين تم خلق نظام الانتداب "Mandate System" في المادة " 22" من وثيقة عصبة الأمم لتطبيقه على الأقاليم غير الأوروبية، والتي كانت لتبقى تحت "العناية والإرشاد البريطاني والفرنسي – الدول المنتدبة " لفترة زمنية غير محددة الى أن تصبح هذه الدول مؤهلة وجديرة بالاستقلال.
أثناء الحرب العالمية الثانية قام كل من الرئيس الأمريكي روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل، خلال الحرب بإصدار ميثاق الأطلسي في 1941، الذي اتفقوا فيه على عدم إحداث تغييرات إقليمية ضد رغبات الشعوب، وإن الشعوب لها الحق في اختيار أشكال حكوماتها.
- وبعد الحرب العالمية الثانية تبنت الأمم المتحدة ومواثيقها مبدأ حق تقرير المصير على النحو التالي:
- تبنت منظمة الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، بعد الحرب العالمية الثانية، مبدأ حق تقرير المصير، وتم النص عليه في المادة الأولى" الفقرة الثانية" ضمن أهداف ومبادئ الأمم المتحدة والتي تنص على مايلي: " إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام".
وفي المادة "55" من الفصل التاسع الخاص بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي والتي نصت على مايلي: "رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم المتحدة مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها".
ونلاحظ هنا أن هذه الفقرة لم تستعمل مصطلح "الدول" بل اكتفت بمصطلح "الأمم والشعوب"، وذلك لإن الأمم والشعوب هي التي تحدد شكل الدولة والحكم والسيادة التي تريد العيش بظلها.
- تابعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إصدار القرارات الخاصة بتأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها، وغيّرت المكانة القانونية لتقرير المصير، من (مبدأً -Principle) الى (حق – Right).
الفرق في ذلك أن "الحق" يأخذ الصفة القانونية المُلِزمة للممارسة والتطبيق، حيث يعبر القانون الدولي عن حق تقرير المصير بأنه حق ثابت، أي يتمتع بالقوة الآمرة.
أما الـــ (المبدأ) فيعطي حرية الإعتقاد أو الأخذ به أو رفضه.
تحويل مكانة (حق تقرير المصير) القانونية، أدت الى أن يكون حقاً قانونياً عالمياً (Universal Right)، شأنه في ذلك شأن (حقوق الإنسانUniversal Human Right - ). أي سواء أذكرته الدول في دساتيرها بشكل واضح أم لم تذكره، فحق تقرير المصير هو حق شرعي، قانوني، دولي، مضمون لكل الشعوب بدون تمييز ضمن ميثاق الأمم المتحدة ومواثيقها الصادرة بهذا الشأن.
إضافة الى ذلك فقد طوّرت مقررات الأمم المتحدة الشرعية القانونية لهذا الحق، فأصبح جزءاً لايتجزأ من منظومة حقوق الأنسان (HumanRight).
- في كانون أول " 1952 " أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم "673" والذي اعتبر بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها شرطاً ضرورياَ للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها، وأنه يتوجب على كل عضو في الأمم المتحدة الحفاظ على تقرير المصير للأمم الأخرى واحترامه.
- أصدرت في 1960 القرار رقم "1514" الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، والذي تميز بأهمية خاصة من حيث أنه اتخذ محوراً استندت إليه كافة قرارات الأمم المتحدة اللاحقة والخاصة بحق تقرير المصير، وقد نص على: "حق الشعوب دون تمييز في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، على أن تتخذ خطوات قريبة لمنح الشعوب غير المستقلة استقلالها التام، وأن لا يتخذ أي ذريعة لتأخير ذلك، وخلاف ذلك يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ويعيق السلم والتعاون الدوليين."
- وبناء على قرار "1803" عام 1962، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة "حق الشعوب غير القابل للتصرف في السيادة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، واعتباره من الحقوق المنبثقة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي تقرير مركزها السياسي وتأمين نمائها الاقتصادي، شريطة عدم الإخلال بأية التزامات تستند إلى مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي، القائم على الفائدة المتبادلة، ومبادئ القانون الدولي."
- قررت الأمم المتحدة بعد تلك الحقبة توسيع نطاق تطبيق حق تقرير المصير من خلال إصدار قرار رقم (2200) عام 1966، والذي تضمن عهدين دوليين، العهد الأول الخاص بـــ "الحقوق المدنية والسياسية"، أما العهد الثاني الخاص بــ "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتقافية" – أصبح هذان العهدان نافذي المفعول عام 1976–. فجاء ذلك ترسيخاً قانونياً تاماً لحق تقرير المصير لكافة الشعوب، فجعلته أحد حقوق الإنسان الأساسية.
تضمنت المادة الاولى من العهدين نصاً واحداً موحداً حول تقرير المصير تمثل بــ "تملك جميع الشعوب حق تقرير مصيرها وتملك بمقتضى هذا الحق حرية تقرير مركزها السياسي وحرية تأميننمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".
- جمعت الجمعية العامة كافة القرارات التي سبق أن اتخذتها بصدد تقرير المصير في قرار واحد في محاولة لتوحيد معنى المفهوم وتطبيقاته، فصدر القرار رقم "2625" عام 1970، متضمناً التصريح الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
- أكدت الجمعية العامة في القرار رقم "2787" الصادر في 12 كانون أول 1972 على "حق الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال وشرعية نظامها بكل الوسائل المتاحة لها والمنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة".
- طلبت الجمعية العامة في القرار رقم "3970" الصادر في 1973، من جميع الدول الأعضاء الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وتقديم الدعم المادي والمعنوي وكافة أنواع المساعدات للشعوب التي تناضل من أجل هذا الهدف.
- الاتفاقيات الدولية حول حق الشعوب في تقرير مصيرها:
- هناك عدة اتفاقيات دولية تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها منها:
- اتفاقية فيينا سنة 1969 اعتبرت حق تقرير المصير قاعدة قانونية تُعدُّ من قبل قواعد القانون الدولي العام وتأخذ القبول من المجتمع الدولي ككل.
- اتفاقية هلسنكي سنة 1975 اتفقت فيها ثلاث وثلاثون دولة أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على عشرة مبادئ وكانت المادة الثامنة منها تختص بحق تقرير المصير.
مع هذه التطورات التاريخية في قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية والوثائق الأممية، أصبح حق تقرير المصير يتمتع بالقواعد الدولية الآمرة، وحصلت العديد من الشعوب على حقها في تقرير مصيرها، وبقي الشعب الكوردي محروماً من حقه في تقرير مصيره، مع تعرضه للاضطهاد القومي والإبادات الجماعية تزامناً مع صمت تلك الدول التي كانت طرفا في الاتفاقيات أو القرارات التي تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها.
حق تقرير المصير في مواد الدستور العراقي:
من الناحية الدستورية والقانونية لا يوجد نص صريح في الدستور العراقي يمنع إجراء الاستفتاء، لأن الأصل هو الإباحة، والتحريم هو الاستثناء. وعليه لا يوجد ما يمنع الإقليم من إجراء استفتاء شعبي لمواطنيه، وأبنائه.
كذلك لا يوجد أي نص قانوني يحصر إجراء الاستفتاء بموافقة أو قبول الحكومة الاتحادية، كما لا يوجد أي نص في الدستور العراقي يحصر موضوع إجراء الاستفتاء بصلاحيات الحكومة الاتحادية.
الدستور العراقي يُشير في مقدمته وبنص واضح، بأن الاتحاد في العراق هو اتحاد اختياري. كما أجاز بفض عقد الشراكة الاختيارية الحرة إذا لم يتم الالتزام بمواد هذا العقد المتمثل بالدستور.
مقدمة الدستور العراقي:
- ديباجة أو مقدمة الدستور العراقي في المقطع الأخير منه ينص على ما يلي: نحنُ شعبُ العراق الذي آلى على نفسه بكلِ مكوناته وأطيافه أن يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه" هذا يؤكد بأن حق مكونات الشعب في تقرير مصيرها شكلت الأساس الذي بني عليه الدستور العراقي.
إرادة المكونات الحرة اتجهت إلى اختيار الاتحاد في دولة تعددية ديمقراطية مادام يحفظ لها حقوقها، ويضمن حقها في تقرير مصيرها.
الجملة الأخيرة في مقدمة الدستور العراقي:
" إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادةً " .
الضامن الحقيقي لبقاء الاتحاد الاختياري هو الالتزام بالدستور. وبالنظر إلى مدى الالتزام بمواد الدستور: نرى المواد الجوهرية لم تجد طريقها إلى التطبيق بعد، خاصة تلك المواد التي تشكل ضمانة لحقوق الشعب الكوردي وتنظم علاقاته مع الحكومة المركزية.
المادة "140" من الدستور العراقي لا تزال في طي التناسي، عدم الاهتمام بأسس الفدرالية، كتوزيع العائدات، وتحديد حدود الإقليم، واقتطاع حصة الإقليم من الموازنة المالية الاتحادية، وعدم تشكيل المجلس الاتحادي، وغيرها من التجاوزات الدستورية الكثيرة، خير دليل على عدم الالتزام بمواد الدستور، وبالتالي يفرض عدم الالتزام بالاتحاد الذي هو بالأصل اتحاد حر.
بل عمدت الحكومة الاتحادية في مجال الالتزام بمواد الدستور إلى التسييس والانتقائية في التطبيق، والتناسي والإقصاء لكل مادة تخدم مصلحة الإقليم والمواد الخاصة به، وتطبيق كل مادة وتفسيرها وفق مصلحتها، وما رافق ذلك من التفافات غير دستورية على مواد الدستور.
الدستور العراقي يمنح الإقليم حق الاستفتاء للبقاء في العراق أو الخروج منه.
ودستور اقليم كوردستان العراق يؤكد في مبادئه الأساسية على حق الشعب في تقرير مصيره بنفسه، وقد اختار بإرادته الحرة أن تكون كوردستان العراق إقليما اتحادياً ضمن العراق طالما التزم بالنظام الاتحادي الديمقراطي البرلماني وحقوق الانسان الفردية والجماعية المنصوص عليها في الدستور الاتحادي .
وهذا مؤكد في الدستور وغير قابل للتفسيرات الشوفينية الإقصائية.
- المادة (1) من المبادئ الأساسية:
"جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" .
الاتحاد الفيدرالي: اتحاد بين عدة كيانات، ولكل كيان منها قانون خاص به ينظم أموره، فهي إتحاد طوعي وتعايُش مشترك بين أقاليم مختلفة، ولا يتحقق هذا الاتحاد إلا في ظل مراعاة لحقوق الإنسان من خلال ضمان وجود نظام ديمقراطي يضمن الاستقلال الذاتي لكل إقليم من هذه الأقاليم كما يضمن حرية أفرادها.
العراق دولة اتحادية، وقد أثبت فشل تجربة النظام الفدرالي في العراق بضرورة وجود شكل آخر من العلاقات بين قوميتين مختلفتين، فكان لابد من أن يقول الشعب كلمته ويقرر مصيره بنفسه من خلال الاستفتاء كأحد الوسائل الديمقراطية والسلمية.
- المادة (3):
"العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها و جزء من العالم الإسلامي" .
هنا اعتراف دستوري واضح بأن العراق بلد متعدد القوميات وما يترتب على ذلك من الاعتراف بالشخصية المعنوية والقانونية للقومية ولحقوقها القانونية المنصوص عليها في المواثيق الدولية ومقررات الامم المتحدة حول تقرير المصير للشعوب.
- المادة (5):
"السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية" .
هنا يقر الدستور بأن السيادة للشعب، وهو مصدر السلطات وشرعيتها، وعندما أدلى الشعب بصوته في الاستفتاء فإنه كان يمارسه حقه المنصوص عليه في الدستور باعتباره مصدراً للسلطات، وأن نتائج الاستفتاء يجب أن تكون شرعية بحسب هذه المادة الدستورية لأنها مبنية على شرعية سلطة الشعب في تقرير مصيره بنفسه.
فحق تقرير المصير أصبح جزءاً من حقوق الإنسان العالمية، رسخته المواثيق الدولية، ومقررات الأمم المتحدة كحقٍ قانوني مشروع وضمن حقوق الإنسان الدولية (Universal Right)، المُلِزمة لكل الدول، سواء أذكر في الدستور أم لم يذكر فيه.
يعد حق تقرير المصير أحد المبادئ الأساسية التي يستند إليها التنظيم الدولي المعاصر، كما أصبح من الحقوق الأساسية للشعوب، والشرط الأساسي الأول لكافة الحقوق الإنسانية الأخرى.
استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة وقرارات جمعيتها العامة والمواثيق والاتفاقيات الدولية العديدة التي تبنتها، بالإضافة إلى الممارسة العملية الفعالة لحق تقرير المصير، وبناء على العوامل القانونية والسياسية والإرث النضالي للشعب الكوردي عبر مراحلها التاريخية، والانتصارات البطولية التي حققتها البيشمركه بقيادة البيشمركه مسعود بارزاني، وانطلاقا من مقومات الدولة الحديثة في القانون الدولي وتوافر ظروفها الذاتية والموضوعية...
يحق للشعب الكوردي أن يقرر مصيره بنفسه.
في 2017/9/25 أجريت عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان والمناطق الكوردستانية خارج إدارة الاقليم، ومارس الشعب الكوردي حقه في تقرير مصيره.
وتضمَّن هذا الاستفتاء الجواب على سؤال واحد هو: هل توافق على استقلال إقليم كوردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة؟
فكان الاستفتاء ثورة بقيادة البيشمركه الأسطورة مسعود بارزاني.
وكان لي الشرف، كل الشرف، أن أكون جزءاً من ذلك اليوم التاريخي، حيث شاركت في الاستفتاء كمراقبة قانونية على انتخابات الاستفتاء في هولير ضمن وفد المكتب القانوني للمجلس الوطني الكوردي.
الشعب الذي علم الجبال أبجدية الثورات، وخرج من الجينوسايد شامخاً، يحق له أن يقرر مصيره بنفسه.
2017/9/25
المصادر:
- دكتور كمال كركوكي " حق تقرير المصير.. المفهوم السياسي والقانوني وإنعكاساته في مواد الدستور العراقي" .
- موقع الأمم المتحدة.
- تقرير المصير السياسي للشعوب في القانون الدولي العام المعاصر.
- حق تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة.
- حق تقرير المصير في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- الدستور العراقي لعام 2005
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن