هناك الكثير من النقاط التي تثير التعجب بل الاستغراب، والتي وردت بمقال الخبير الأميركي في السياسة الدولية والشرق الأوسط مايكل دوران، بعنوان "الاستراتيجية التي تنتهجها واشنطن في الشرق الأوسط.. هي الاستراتيجية الوحيدة التي تستحق المتابعة".. هكذا بدأ ستيفن كوك، الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، في التحليل النقدي لمقال دوران في مجلة "موزاييك" الأميركية.
يقول كوك إن دوران، زميل معهد هادسون، يشير بشكل صحيح في مقاله إلى أن العديد من نفس الأشخاص الذين كانوا ينتقدون قرار الرئيس بالانسحاب من سوريا، هم الأشخاص أنفسهم الذين كانوا قد أعربوا عن غضبهم عندما أدلى مستشار الأمن القومي جون بولتون بتصريح في سبتمبر الماضي قال فيه: "لن نترك (سوريا) ما دامت القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية، وهذا يشمل العملاء والوكلاء والميليشيات الإيرانية".
وأضاف كوك، مؤلف كتاب "الفجر الزائف: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد"، في تحليله لما طرحه دوران في مقاله، إنه مما لا شك فيه أن دوران يسعى إلى تقديم حجة كبيرة حول استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال حقبة إدارة ترمب. ومع ذلك، وعلى الرغم من أسلوبه الأنيق وتعبيراته المنمقة، فإن جهوده الرامية إلى توفير إطار فكري لمقاربة الرئيس العشوائية والفوضوية تجاه المنطقة باءت بالفشل التام.
وبالتالي كانت النتيجة هي تأكيد دوران على أنه على الرغم من أن الرئيس ترمب ينوي سحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، إلا أنه وإدارته سيقدمان دعماً لا نظير له لحلفاء واشنطن.
النتيجة التلقائية لسياسات ترمب
ويقول كوك إنه لا يمكن إقناع هؤلاء الحلفاء بالمنطق المستنتج في مقال دوران، حيث إنهم استقبلوا نهج ترمب تجاه المنطقة بشكوك عميقة على الرغم من أنه ليس بالضرورة أنه يرمي بهؤلاء الحلفاء الأميركيين إلى أحضان الصينيين أو الروس، ويجبر القادة الإقليميين على تولي زمام الأمور بأنفسهم.
ويعتقد دوران بوضوح أن إيران هي التحدي الأكبر الذي تواجهه المصالح الأميركية في المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحليف في تعريفه هو "دولة تدعم النظام الأمني الأميركي".
وفيما يتعلق بالسعودية، يرى كوك أن دوران على الأقل يحدد موقفاً يمكن الدفاع عنه بطريقة معقولة، حيث إن أي شخص دخل المكتب البيضاوي في يناير 2017، أدرك على الفور أنه بعد 6 سنوات من الاضطراب في العالم العربي، كان السعوديون الوحيدين الذين ظلوا صامدين.
علاوة على ذلك، كانت لديهم على المستوى الإقليمي شراكة مع تركيا، والتي يعتبرها دوران دعامة أخرى من "الاستراتيجية الوحيدة الجديرة بالمتابعة"!
نقاط مثيرة للتعجب
ويبدي كوك استغرابه من تناول دوران للعلاقات مع تركيا، قائلاً إنه على الرغم من أن مناقشة دوران للعلاقات الأميركية - التركية، تعتبر بليغة بشكل مثير للإعجاب، إلا أن تحليله غير قابل للتجزئة بشكل لا يمكن تفسيره.
فيبدو أن نفوره الواضح من الرئيس السابق باراك أوباما، ترك أثراً واضحاً في طريقة سرده للوقائع، مما أوقعه في أخطاء تحليلية لا يمكن القول إلا أنها تُضفي، بخلاف الواقع الحقيقي، مسحة من الكبرياء على وجوه الرئيس رجب طيب أردوغان والأعضاء الحاكمين في حزبه العدالة والتنمية.
وعلى الرغم من أن الحقيقة هي أن الحكومة التركية بدلاً من أن تكون شريكة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، قامت على النقيض من ذلك بتمكين طهران.
تعاون نووي تركي مع إيران
وينسى دوران أن تركيا (إلى جانب البرازيل) تفاوضت على صفقة نووية منفصلة مع إيران في عام 2010، وكانت أكثر تساهلاً بكثير من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
كما أنه يتجاهل حقيقة أن الأتراك قاموا في عام 2010 بممارسة الضغط على أعضاء مجلس الأمن لمنع التصويت ضد العقوبات على إيران.
مصرفي تركي معتقل
علاوة على ذلك، بعد تطبيق هذه العقوبات، لعب Halkbank، الذي تسيطر عليه الحكومة التركية، دوراً محورياً في مساعدة إيران على تخطي آثار سلبية لتلك العقوبات. يقبع مدير Halkbank، محمد هاكان أتيلا، في أحد السجون الفيدرالية الأميركية حالياً بسبب دوره في هذا المخطط، حتى في الوقت الذي تضغط فيه الحكومة التركية بشدة على إدارة ترمب بعدم فرض غرامات ضخمة على Halkbank وإيقاف التحقيقات الجارية بشأنه من قبل المدعي الأميركي في نيويورك.
ومنذ إعادة فرض العقوبات الأميركية على مبيعات النفط الإيرانية في نوفمبر الماضي، طالب الأتراك مراراً بإعفاء دائم يسمح لهم بمواصلة شراء الخام الإيراني.
مغالطات تاريخية
ويؤكد دوران بالخطأ على أن علاقة إدارة أوباما مع وحدات حماية الشعب الكوردية السورية YPG، التي ترتبط مباشرة بحزب العمال الكوردستاني، المنظمة التركية الكوردية التي تصفها الدولة التركية إرهابية PKK، هي التي قادت تركيا إلى أحضان روسيا في عام 2014، وطلبت إدارة أوباما المساعدة من الحلفاء الإقليميين، بعد أن اجتاح تنظيم "داعش" الإرهابي مدينة الموصل شمال العراق، وقطاعاً كبيراً من البلاد، مما وسع نطاق سيطرة التنظيم في العراق وسوريا.
ورفضت القيادة التركية نداء الرئيس أوباما، مشيرة إلى أن أولوية أنقرة كانت محاربة القومية الكوردية. بعبارة أخرى، تحولت إدارة أوباما إلى وحدات حماية YPG فقط، كنتيجة لتردد تركيا في محاربة داعش.
ممارسات مريبة ضد أمن الولايات المتحدة
لكن ينبغي أن يكون واضحا لأي مراقب موضوعي، أن مواقف تركيا، بداية من جهودها الرامية إلى تعقيد محاربة "داعش" من خلال مهاجمة وحدات YPG، وتنسيقها مع العناصر المتطرفة في سوريا المرتبطة بتنظيم القاعدة، وعزمها على شراء أسلحة عالية التقنية من روسيا، وكذلك من خلال سجلها في تقويض سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.. لا تدعم بكل التأكيد "النظام الأمني الأميركي"، بحسب التعريف الذي أورده دوران في مقاله.
رفعت حاجي.. Zagros tv
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن